القائمة الرئيسية

الصفحات


 بوتميرة

بقلم نصر العماري
لم يكن في خاطره أن يتحدث عن مخلوقات الله. فالحديث عن مخلوقات الله أمر فيه أخذ ورد .فكثيرا ما يسمع "دع المخلوقات للخالق" .لكن الموضوع وكأنه فرض عليه فرضا .
فحين كان قابعا أمام شاشة التلفاز لم يجد مهربا من متابعة قناة نشينال جغرفي امام سماجة البرامج المعروضة . لكن عالم الحيوان يشد الانتباه وخاصة ما كانت تعرضه القناة ساعتها ،عالم عجيب غريب.
جنس من الحيوانات من رتبة القوارض الشائع في العالم . أنواعه كثيرة تنحو للعيش بالقرب من بيئة البشر اشهرها فأرالمنازل ، والاسم العلمي للفأر عموما: Mus
يتراوح طول الفئران بين 10 و20 صم تقريبا بما في ذلك الذيل وتزن بين 8و60 غ.ومنها ما هو فوق ذلك بكثير.
لون أبدانها بني أو أبيض أو رمادي. معظم الفئران لها فم طويل وشعيرات تحسس حول الأذنين والأنف. ذيل الفئران طويل ورفيع وهي تحسن الركض على الأرضيات كما يحسن بعضها النّط والقفز .
جسمها مغطى بالفرو عدا الذيل.
كان يتابع البرنامج باهتمام ، حصل على معلومات جيدة عن الفئران و راح يقارن بينها وبين فئران مدينتنه
وتبين له ان فئرانهم عالمية وهي لا تختلف عن غيرها .
لكن الذي تنفرد به مدينتنه، فصيلة قارضة نادرة الوجود تنتشر في حيّهم وفي بعض الأحياء المجاورة . وهي من غير شك لا تختلف عن فئران المجاري كبيرة الحجم ،قوّية البنية.
و لا تختلف عن الفئران التّركاوية التي تتميّز بأجسمها الممتلئة بأذنيها وأذيلها القصيرة جدا وأنوفها المفلطحة.
ولا تختلف عن فئران البرك والمستنقعات بألونها الخضراء الداكنة.
ومن غير شك لاتختلف عن الفئران المنزلية بأجسمها الأسطوانية وأذنينها وعيونها البارزة، وان كانت تقترب كثيرا من الفئران البيضاء فهي تختلف عنها من حيث لون الذيول، فالبيضاء ذيولها وردية. وهي نوعية محببة لدى الأمريكان، يحبّذون تربيتها.
كما أن هناك نوعية من فئرانهم لاتختلف عن فئران الرمل الهزيلة، رغم شراهتها في الاكل ونهمها الشديد وهي تشبه الى حد كبير فئران التجارب بما تظهره من وداعة وطيبة.
وادرك مما لا شك فيه أن"بوتميرة " فأر شهير مميز في مدينتنه . وأنه فأر نوعي من فصيلة القوارض النادرة الوجود بجسمه النّحيل وقامته القصيرة وبشرته البيضاء وعينيه الجاحظتين ليس له ذيل ولا شوارب كبقية الفئران . خفيف الحركة سريع النّط ، مراوغ وخبيث الى أبعد الحدود ...
كان " بوتميرة " لا يستحي ولا يخجل من أنّه "فأر" . ولا يخاف من الظهور بين النّاس بهيئته وصفته . فقد فرض نفسه عليهم عنوة . وهم يقبلون بوجوده بينهم عنوة ، اتّقاء شرّه إلى درجة أنّهم ألفوه . فمن سكان المدينة من بات يتودّد اليه ويتبرك به وبظهوره في أي مكان، ويعتبره فأرا مباركا .
بل انّك كنت ترى جل شخصيات المدينة والمترشحين للهيئات والأحزاب واللاهثين وراء المناصب السياسية لا يجلسون إلا في الأماكن التي يظهر فيها وكأنهم يستأنسون بسديد رأيه ويعملون بمفيد نصائحه ويستلهمون من نجاح تجاربه.
أما الذين أعيتهم الحيلة في التّخلص منه، وكانوا كلما نصبوا له مصيدة تبول أمامها دون أن يقع فيها، فهم يعتبرونه شؤما على هذه المدينة وأهلها الطيبين .
وكم من مرّة وضعوا له "الفتّاك" أمام جحره وفي طريقه يتعداه ضاحكا هازئا بهم.
وفي اعتقاد أغلب سكان المدينه "بوتميرة" فأر غير عادي" كأنه جنيّ أو مارد مسنود أو قدر من أقدار الله النافذ لا يرده دعاء ولا توسّل " . والفطن من تجنّب عضّته "فعضته والقبر"كما يقال .
وهناك من يحذّر من لمسه ليس باعتباره من مخلوقات الله النّجسة التي يُباح التخلّص منها، بل لأنه يراه عينا من عيون المخابرات الاجنبية الخطرة . وقد يكون مكهربا ، صنعه العدو على هيئة فأر يعمل لحسابه وهو من يتكفل بحمايته .
لكن "بوتميرة" يتحرك في صمت يتجول في الشوارع ويجلس في المقاهي ،ويرتاد النّوادي ،و يحضر الحفلات ،واللقاءات والاجتماعات وغيرها، غير آبه بحديث النّاس وما يقال عنه
Reactions

تعليقات