القائمة الرئيسية

الصفحات


 حنين

أحنّ إلى ضجيج سوق امتلأ بسلع من بلادي.. وجلبة باعة أحبّوا البلد وراموا ابياع خيراته دون سواها.. ورحلة النّاس بين الخضر والغلال يسومونها ويشترون ما لذّ وطاب رغم الفاقة والحاجة لكلّ ملّيم لكنّهم ينفقون ليعيشوا وتنتعش البلد بما ينفقون فيها. أحنّ إلى رؤية شيخ يترنّح حاملا قفّته وهو بالكاد يقوى على حملها لكنّه سعيد لأنّه سيفرح أهله وخاصّة أحفاده الّذين قد يكونون في انتظار هدايا منه او حلوى من اختياره. وأحنّ إلى إلحاح طفل على أمّه أو أبيه "أريد كجّة وخذروف كي أشارك أصدقائي اللّعب" فيشتريها الأهل لأولادهم رغم أنّهم يعلمون مسبّقا أنّهم سيفقدونها بعد اوّل خروج للّعب خارج المنزل ورغم أنّهم سيوسّخون ثيابهم عندما سيلعبون. أحنّ إلى حياة بسيطة عشناها حلوها ومرّها وتغلّبنا على فقرها وجراحها ومشاكلها لأنّنا أحسسنا ببعضنا وتشاركنا في كلّ شيء... أهو الطّفل فيّا يتكلّم عن هذا كلّه؟ أم هي هلوسة كبار السّن احتاجوا للمعونة ؟ لا..لا هذا ولا ذاك إنّما هي الصّورة الجديدة القاتمة برغم كلّ الغلافات الّتي وضعوها عليها لتلميعها وهي أيضا الأصوات الغريبة على آذاننا برغم التّزويقات والإيضافات الّتي أرادوا بها تغطية النّشازات. نعم هي الأنماط الجديدة للحياة الّتي تجعلنا نحنّ لماض عرفنا فيه قيمة الإنسان وقيمة المجموعة من حوله. فكم كان جميلا أن نخرج للطّبيعة ومعنا لمجة بسيطة من خبز وبعض السلطة وبيضة مسلوقة في الماء. نتجوّل.. نلعب.. نطرق أيّ باب أمامنا لطلب شربة ماء فتغدق علينا العائلات بأكثر من الماء. وكم كانت الثّقة موجودة وهو الأصل في الأشياء أن نثق ببعضنا. كم ..وكم.. لكنّنا اليوم نتجنّب الاختلاط.
نتجنّب الخروج في جمع فقد يكتشفون ما لنا وما علينا فتصبح دفاترنا على لسان كلّ النّاس وهي ليست تلك النّاس الّتي تحفظ العهد وتحتظن المهموم وتغطّي عن أخطاء غيرها ليس خيفة منهم بل خيفة عليهم. لذلك نحنّ إلى ماضينا. ربّما أنساق وينساق البعض منّا إلى طفل مازال يعيش فينا وهو أمر مطلوب لكي يعود الحنين إلى حبّ النّاس لبعضها البعض وتلقائيّة التّعامل بين الافراد بدون حسابات مسبّقة. وقد ننساق وراء ذكريات شيخ أو كهل لحياة كانت على السّليقة ولم تتخلّلها سياقات جديدة غريبة عن خطّ مستقيم لا انحرافات به إلاّ ما شذّ او ما كان عن طريق الخطإ وليس الإضمار. نعم هو الحنين بكلّ معانيه للماضي .
رشدي الخميري/ جندوبة / تونس
Reactions

تعليقات