القائمة الرئيسية

الصفحات


 أين ما تعلّمناه ؟

كنّا ونحن صغارا نجتمع حول الجدّة أو الجدّ فنستمع إلى قصص وخرافات كنّا نتعلّم الكثير . كان هدف الأجداد وهم يروون تلك القصص والخرافات شدّ انتباهنا ومشاركتهم السّهرة كي لا ننام باكرا فنتركهم وحدهم من جهة ومن جهة أخرى كان هدفهم تمرير قيم ودروس عبر بطل القصّة او الخرافة. كان الهدف أيضا جمع أفراد العائلة وبعث روح الألفة بينهم من خلال التفافهم حول الجدّة او الجدّ فحول الأجداد هناك الإخوة وأبناء العمومة والعمّات وأبناء الأخوال والخالات وفي بعض الأحيان هناك من الجيران ممّن ربطت بينهم وبيننا علاقات جيّدة ووجودهم بيننا في تلك اللّحظات هو مثل وجودهم في بيتهم إذ أنّ أجدادنا كانوا يعاملونهم كما عاملونا ويبعثون فيهم كما بعثوا فينا قيما وخصالا . ومن لم يحضر معنا في جلستنا تلك فهو حاضر في جلسة أخرى ويتعلّم فيها ما تعلّمناه نحن في جلستنا وكأنّ ذلك كان اتفاقا بين الأجداد فيقوم كلّ جدّ أو جدّة بدوره في محيطه ليصيب ما اتّفقوا عليه. ما كان يقوله الأجداد كنّا نصدّقه ونتمثّله في سلوكاتنا ونتبنّاه في خصالنا. فكنّا نتساند ونتعاون في الأفراح والأتراح. وكنت ترى التّضحية في سبيل الآخر دون أن يكون هناك غاية أو هدف رخيص من وراء ذلك. كنت ترى الاحترام المتبادل بين الصّغير والكبير ولا نفاق يتخلّل تلك العلاقات ما عدى ما شذّ فلم ولن نقيس عليه. في ذلك الزّمان كانت عقولنا الصّغيرة تصدّق حكايات الجدّ أو الجدّة وكنت ترانا نتداولها من الغد وربّما نكتبها في انتاجنا الكتابيّ بالمدرسة لنبهر المعلّم بما "نعرف" لأنّ أجدادنا يتّخذونها أمثلة في كلامهم اليوميّ فكنت تسمع مثلا " كما فعل علي ابن السّلطان مع الغول" أو " كما فعل ذلك الشّبح عندما....." . المهمّ أنّنا تعلّمنا منهم الكثير وأحببنا العمل بفضل ما اورثونا إيّاه وتعلّمنا الصّدق والأمانة وتعلّمنا الشّجاعة والتّسامح. لم نختر أجدادنا ولا آباءنا ولا حتّى جيراننا ولكن هم اختاروا أن يكونوا لنا قادة ومربّين وحماة فلم يبخلوا عنّا بما قد يجعلنا عائلة واحدة. لم يتقاعسوا في تبليغ القيم الأصيلة ولو للجيران. الأجداد كان همّهم الأوّل والأخير إرضاء ضمائرهم الحيّة رغم أنّنا كنّا صغارا ويعرفون هم أنّنا لن نستطيع لومهم على تفريطهم في هذا او ذاك من الأدوار، لكنّهم كانوا يعرفون أنّ لهم ضمائر حيّة وكانوا يولون للتّاريخ من بعدهم اهتماما كبيرا. ما فعله الأجداد هي حيل أو طرق تربويّة لصنع مستقبل للبلد. كبرنا فتغيّرنا وتغيّرت معنا الحياة وأساليب العيش فيها فتشتّتنا هنا وهناك نطبّق ما كبرنا عليه لكن كان لا بدّ من قائد لسفينتنا ليعوّض دور الجدّ في العائلة سابقا. وبما أنّنا كبرنا أصبحنا نقرّر ونختار من يقودنا ومن يسهّل علينا الحياة. أصبحنا نفكّر ونقيّم وكلّ من نختاره كان من أجل قيادتنا إلى تحقيق ما تعلّمناه من أجدادنا وربّما قد نتفتّح معه على الجديد ممّا قد يعزّز رغبتنا في الحياة وجعل النّاس من حولنا يحبّونها. اخترنا من يتولّى أمرنا ليواصل جمعنا على حبّ البلد..حبّ العمل والتّفاني فيه..حبّنا لبعضنا البعض..حبّنا للآخر واحترامه كما يحترمنا. فهل هذا ما نحن عليه اليوم فعلا؟ حيل الأمس كانت تنطلي علينا فصدّقناها لكنّها صنعت منّا رجالا ونساء يحبّون البلد ويفتدونه بالغالي والنّفيس وانظر حولك لترى ذلك واقعا لامسناه بالأمس القريب. هل ما نراه اليوم وما نسمعه من خطابات ، يجمعنا؟ هل ما يعيشه كلّ فرد منّا يسمح له بالتّفكير في الآخر دون أن يتمنّى الفوز بغنيمة منه ومن غيره؟ هل لازلنا على عهدنا بحبّ العمل من أجلنا ومن أجل البلد؟ هل تنطلي علينا حيل اليوم فتردّ لنا ثقتنا في أنفسنا وفي من ولّيناه أمرنا؟ لن أجيب على هذه الأسئلة ولكنّي لا أظنّ أنّ أحدا من الّذين تربّوا على أيدي أجدّادهم أو جدّاتهم سيجد نفسه في غمار ما نعيشه اليوم. بل سيجد نفسه غريبا وبعيدا كلّ البعد عمّا تعلّمه واقتنع به. سيتساءل كثيرا وستتبعثر أوراقه وتختلّ موازينه بحيث لن يفهم ولن يستقرّ على أمر. هل تعلّمنا لنترك كلّ ذلك جانبا ونبحث عن دروس جديدة ؟ هل ولدتنا أمّهاتنا وفرحت بنا ونحن نكبر أمامهنّ لنموت عندما حان وقت افتخارها بنا؟ هل تعلّمنا حبّ العمل من أجل البلد ليأتي من يفول لنا قد أخطأتم وأخطأ أجدادكم؟ لن تنطلي علينا حيل اليوم. فهي حيل لا تجمعنا. لن تنطلي علينا خرافات اليوم فهي تصنع منّا أرقاما لا قيمة لها سوف تدرج بمجرّد أن تقضى بها بعض الشّؤون وهي شؤون لا تفيد المجموعة ولو بخصلة شعر. وأخيرا لن تغمرنا الأضواء ولا الضّوضاء لنصدّق هذه الخرافات الجديدة .
رشدي الخميري / جندوبة / تونس
Reactions

تعليقات