القائمة الرئيسية

الصفحات


 الكاتبة نـهـيـلة حـنان

   إلى روح العظيم أحمد راشد (1930-2010)   

أحمـد راشـد الـداهـية الـباقعـة اللوذعـي الألمـعي الـشـامخ الأبـي الذي نـقـش إسمـه عـلى أعتـاب صـخور صمـاء، أحـد أساطيـر مـديـنة "وادي زم" الـمغربية الذي نحث إسمـه على جـدران مـدينته ففي كل مـنعـطف من ذاكـرة "وادي زم" أو زقـاق أو حـي تـروى حكـاية هذا الـرجل الذي لن يـكرره التاريخ، سيظل إسمـه معلقاً عـلى أسـوار مـنطقة "المـعادنـة" و مخزناً خـلف كـل بـاب فهو لـيس كل أحد و ليس بأحد مـعتـاد، نـقـش إسـمـه فـي عـقولـنـا و قـلوبنا و افئدتنا و ذواكرنا و ذكرياتنا من شـدة أمـانته و شرف نـزاهته و شفافيته سيظل حاضراً فيـنا ما حـيينا بصـدقه و وفائه 
غـادرنـا فـي ليلـة ظلمـاء بعـدما أدمـى الشفق وجـه الغـروب و بدأت عتمات الليل تتسلل إلى عتبات الكـون وبنبع أنفاس ووتر رنان كـان يهمـس مسترسلاً يتلوا آيات القرآن، لتحلق روحـه صـوب سـحائب الـسماء مبتلعةً النجوم مخترقةً لحاجز اللاعودة اغمض جـفنيه وحلق بروحـه مخلفـاً ورائـه تـعاسـة الـفـراق، تشخص الـعـين لرؤيـته لتكحل رمشـها بنظـرة منـه كلما تسـلق طيفه جدار الذاكرة يخفق القلب عند حافة الوجد و تتـراقص نبضات القلب عـلى أوثار آلحنين، إنها تراتيل من الأحزان لغائب طال غيابه، تراتيل توقد جمرات الإشتياق و يتعمق معها جرح الإنتظار الذي يهوى بمطرقتـه عـلى مكامن الصبر 
مشوار حياته قضاه فـي خدمـة الوطن مع بني قبيلته من الصبا واليفوعة إلى الكهولة والمشيب، وقد كان مشوار حياته النضالية حافلاً بالعطاءات بحيث واكب أحمد راشد ثلاث ملوك للمغرب محمد الخامس، الحسن الثاني و محمد الـسادس وقد كان عـلى دراية كـبيرة بكل أحداث الكفاح والجهاد رجل من زمن الكفاح و طينة الكبار و المجاهدين الأكفاء، بشهامته إستطاع مـواكبة المقاومة المسلحة أي الكفاح الوطنـي الذي إمتـد إلـى حين حصول الإستقلال و إستكمال الوحدة الترابية هذا من دون التطرق إلى بناء المغرب إقتصادياً، ثورة الملك و الشعب، المسيرة الخضراء المظفرة، والعديد من الجهادات ستظل فينا حياً يا ال راشد فلمثلك يليق الخلود لكن فما نيل الخلود بمستطاع، ذكراك باقية ما دمنا باقين فأنت فينا لن تزول ليتك بيننا الأن لنرتوي من بحر عطائك نجالسك لنستزيد من حكمتك و فطنتك فكلماتك كلها كانت حكم و معاني أكاد أجزم أنها غير موجودة في أرقى كتب الحكمـة، كان إنساناً لا يرضى الظلم شهماً لدرجـة الشهامة نفسهـا عطوفاً و رحيمـاً أنشأ أجيالاً على يده، أجيالاً يمشون عـلى خطاه و يفتخرون كونهم أبناء أحمد ال راشد ومنهم حتى من تسمي بإسمه، رجل كان محب لربه و لدينه حافظ كتاب الله كامل الأوصاف والسمات و وجه تعلوه دائماً البسمات، سنترك الفواصل و المسافات جانباً لنقف لك اليوم وقفة احترام و إجـلال لن نكتفي إلا إن وفيناك التبجيلا، فما كان غيابك مقروناً بالبعد لكن هي نسمات تشتد أوقاتاً لتصبح ريحاً من الأشواق لا نملك لها صداً ولا رداً، عندما أسدلت جفونك و غططت في نوم أبدي إنهمرت يومها أمطار من الأحزان إرتوت منها قلوبنا و نحن ننتظر أن يزيح ميلاد الشمس هدوء شيخوخة الفجر معلناً عن إنصياع خطوط ذهبية عـلى وجه الصباح فقد تعبنا ونحن ننتظر بارقة الصباح ليتوج ذاك اليوم بمراسم دفنك بمسير من الحشود فكل من يعرف أحمد راشد يشهد له بنبل أخلاقه ورقي أفكاره 
ما كنت يوما يا ال راشد في الدنيا متخوفٌ إنما غدوت تسعى بالحياة بلهفة فجمال قدك فوق كل جميل 
إننا نقرؤك السلام و نخبرك أن قلوبنا ماتزال مفجوعة برحيلك و ستبقى دائماً كذلك، نحن على عهدك ووصيتك آيتان وركعتان وقلبٌ صبور فجنازتك دائماً مشيعة بذواكرنا كنت وستظل رجل الحقيقة الثابتة في كل حين كما سيظل عزائنا فيك عمراً يا ال راشد، فبعض الأشياء إذ ما بقيت تبقى خلف النسيان تراب أما بعض الأشياء إذ ما ماتت تدفن في القلب إنها جنازة بدون جثمان فقبرك مشيداً في ذكرياتنا السوداء بطبقات من غبار السنين لا عزاء لنا إلا الدعاء لك بالرحمة والمغفرة
سلام عليك يوم ولدت ويوم فقدناك ويوم تبعث حياً 
Reactions

تعليقات