القائمة الرئيسية

الصفحات


 هكذا الحياة...


اجتاز مبارة التعليم تخصص العلوم الفيزيائية. نجح في الشق الكتابي و الشفوي و لكنه لم يفرح بنجاحه لأنه لم يخرج بعد من الأزمة النفسية التي يعيشها إثر وفاة والدته. لم تمر مدة شهر بين موتها و نجاحه. أخذ القدر أغلى ما يملك و منحه عملا كان ينتظره بفارغ الصبر. لكنه كان يريد أن تكون أمه لاتزال على قيد الحياة و تفرح له بوظيفته و يفرحها بعمله. لكن القدر كان مكتوب فيه شيء أخر غير ما أراد هو...
ذهب لمركز التكوين و لا رغبة له لا في الحضور و لا في التكوين و لا في العمل. التقى هناك صدفة مع أستاذة اسمها هناء. لم تكن هناء جذابة او جميلة لكنها كانت تتسم بالرزانة و النضج. بشرتها سمراء مفتوحة، متوسطة الطول، ذات عينين صغيرتين. ترتدي الفولار على رأسها تخرج من تحته بعض الشعيرات السوداء و لكن يبدو أنه ليس أملس...
تعرف عليا و تعرفت عليه، لكن تعارف سطحي، كان حديثهما قليلا و إن كانوا يجلسون كثيرا. اختار كل واحد منهم أن يتحدث مع داخله و يسترجع ذكرياته الجميلة منها و البائسة. كان الصمت من سمات هناء منذ الطفولة في حين هو اكتسب هذه السمة حديثا بعد أن فقد أمه. شعرت به مجروحا في داخله و لكنه هو لم يكن يعرف شيء عنها...
ذات يوم بعد أن انتهت الفترة الصباحية من التكوين و في طريقهم لتناول وجبة الغذاء، قاطعت هناء صمتهم بسؤال اربكه قليلا، ما الذي يجرحك غير وفاة أمك...؟
لم يجد ما يجيبها به و لا يظن أنه يوجد شيء يربكه غير الفراغ الذي تركته أمه... بينما يبحث عما يقوله لها كانت هي تتحدث بطريقة لم يتوقعها منها أبدا. اوقفته أمام شجرة ثم قالت له اسمع جيدا:
انا فقدت أبي و انا طفلة بنت 6 سنوات، ثم بعد ذلك بخمس سنوات فقدت أمي، يعني في سن 11 كنت في الدنيا اواجه مشاكلي بدون أهم سندين في الحياة. اتممت حياتي أعيش متنقلة بين خالاتي و عماتي حسب الظروف و حسب جود كل واحدة منهن. رأيت ما لم تراه أنت و عانيت ما لم تسمع حتى به، معاناة نفسية و عضوية. بكيت ما بكت السحاب في فصل الشتاء و أكلت من العصى ما يأكله الطبل في ليلة الفرح. ورغم ذلك انظر لي، أقف أمامك مبتسمة، اتحدى الألم الذي عشته و مستمرة نحوى تحسين حياتي. ماذا عنك انت؟ ماتت امك و ماذا بعد! لقد تركتك رجلا!!!
نظر إليها و سقطت دمعة من عينه ثم رفع رأسه للسماء و شكر الله على ما منحه من خير ولكنه لم يكن يدرك قيمة ذلك...

#اسماعيل_براهمي
Reactions

تعليقات