القائمة الرئيسية

الصفحات

ذكريات متجدّدة مع المهندس المعماري معاذ الآلوسي " أبدع في هندسة العمارة والتشكيل والأدب ، فحوّلها إلى فلسفة حياة " - دنيا صاحب

 


ذكريات متجدّدة مع المهندس المعماري معاذ الآلوسي: أبدع في هندسة العمارة والتشكيل والأدب، فحوّلها إلى فلسفة حياة

حوار : دنيا صاحب - العراق 

أيقونةً الجمال المعماري العراقي في فضاءات العمارة العربية والعالمية معاذ الالوسي جسد رؤيته الفكرية والجمالية، التي تعبّر عن مسيرة إبداعية حافلة بالانجازات والمشاريع المعمارية على طراز العربي الاسلامي. جمع افكاره بين العقل البنّاء و فلسفته بالفن التشكيلي و روح الشاعر الملهم عبر عقود من العطاء.

قدّم أعماله التشكيلية بأسلوب تجريدي، وأدبه بصيغة شاعر محترف و خطط هندسة العمارة البغدادية جوامع وبنايات سكنية وجامعات دراسية ظلّت تنبض في ذاكرة المدن والثقافات.

من شوارع حيفا في بغداد إلى مدن العالم، ومن لوحات الرسم إلى كتب النقد والأدب والشعر، شيّد الآلوسي مشروعه الجمالي والمعرفي لبنةً فوق لبنة، وحرفًا بعد آخر.

مزج بين إرث الآباء وأسلوب الحداثة وبين الخطوط الهندسية والأبيات الشعرية، والالوان كانها موشحات صوفية ليصوغ فلسفة حياة لا تنفصل عن تراث بلده الرافديني العريق، حيث تشهد له العمارة في مدنٍ نهضت على بصمته المعمارية 

 أما الكلمة، فوثّق بها رؤاه وتأملاته المستندة إلى تجارب متراكمة عبر السنين، فنطق بعمقٍ فلسفي نابضٍ بذاكرة حرّة

في هذا الحوار، نستعيد معه ذكرياتٍ ما زالت حاضرة في قلوب المبهورين بإبداعاته وابتكارته التي سجلها في تاريخ العراق الحديث.

ونفتح باب النقاش معه حول رؤيته الفكرية والثقافية والجمالية، لنفهم كيف يمكن للحياة أن تتطوّر عبر الفنون والعمارة، وللفن أن يخلّد أرثاً حضارياً وللكتابة أن تصنع اسمًا لامعًا... ابن العراق الحر.

• كيف لك أن تمارس كل صنوف الإبداع في العمارة، والفن التشكيلي، والكتابة، والنقد؟

• سؤال ازلي يتكرر" كيف لك ان تقوم وتمارس كل صنوف الابداع هذه؟ " وجوابي الازلي وبكل شفافية وبساطة. "انا معمار احب مهنتي" والعمارة بالنسبة لي هي نمط حياة. هذا النمط تربيت ونشأت عليه، هناك في بغداد منذ طفولتي، والدي رسام هاوي، فتحت عيني على اللون وفي الحارة موقع جسر الأئمة الآن، وقباب ضريح موسى الكاظم تتلألأ. رضعت الجمال منذ طفولتي، ولم ازل رضيع ومرضِع، استمتع بكل ما هو جميل، بل لا أرى غيره. في غياهب عقلي مُرشِح لا يرى الا الجميل والمحتشم الانيق، لذلك هذا ديدني في كل مناحي الحياة وبحواسي جميعا. نمط عيش رفيع ومنتج، لا يفارقني القلم والورقة والآن معهم الحاسوب، والكاميرا منذ طفولتي هي " عيني الثالثة" والمهم وربما الأهم هو الكتاب نعم الكتاب جليس المعرفة، الجنيد كان يسميه ألَم المعرفة. هو أساس الابداع.

لابد أن أزيد عامل مهم على نشأتي عامل مهم، ربما منذ صغري كنت عارف ما اصبو اليه منذ طفولتي.

•  "أنت لا تتبنى الذاكرة المعمارية بقدر ما تنتمي إليها، وترى الحداثة التجارية نوعًا من الإسفاف. كيف توازن بين الوفاء لإرث الأجداد والانتماء إلى العصر؟"

• أنا فعلاً لم اتبني الذاكرة ، أنا أصلاً متبني من قبلها. أنصح جميع طلابي، ولو متأخر عليهم، المفروض منذ الصغر، عليهم التعرف على ذاتهم. سؤال بسيط. من أنا؟ أبن سبعة الاف سنة من الإبداع والريادة في التراكم المعرفي على المستوى الإنساني كافة. كم من الذين يدرسون العمارة اليوم على اطلاع بالتراكم المعرفي المتوطن؟ على المعمار أن يكون حامل وزر هذه التركة الغنية. والدي عندما ينصحني كان يقول : في اتخاذك أي قرار أسئل نفسك، هل يرضي القرار السلف؟ أجدادك؟. لذا نشأت وأنا واقف احتراماً وإجلالاً، ومأخوذ بعمل السلف. فكيف لي ان أفرط بما ورثت؟. بل لا أضيف الى هذا التراكم.

لكن لا اسهو ابداً، إن ما يفرضه علي الزمن، هي المواكبة. أنا أبن هذا الزمن. معاصر ومتحضّر. مشارك مع ركب الإنسانية جمعاء. لا أريد أن اتخلف عنهم ولا أكون سبب في التخلف. هذا موقف لا أحيد عنه. سافرت إلى مراكز الحضارات الاغريقية والرومانية والفينيسية، وأنا بعمر يقارب التسعة عشر عاما. طبعا وعيني الثالثة تسجل وتحفظ.

لا تجارة في الحداثة. هناك اسفاف وجشع يعم ويختبئ خلف الحداثة. الحداثة الحقة تجبرنا أن نكون مع الانسان، وللإنسان في كل نواحي العيش الكريم وفي كل مكان.ونحن في العمارة نعمل للبشر قبل الحجر.

• في أي مرحلة من حياتك بدأت بكتابة الشعر والأدب والنقد ؟ وما عدد مؤلفاتك حتى اليوم في هذا المجال؟

• قبل الكتابة، المهم الهاجس الهوَس، التراكم المعرفي. العمارة بريادتها الثقافية. مظلة واسعة لكل ابداع، ثبت هذا المنحى بل أكدته ليتوسع الأفق المبدع. وهو واسع متواصل في ضروب الفنون، في الموسيقى أو الشعر وفي الرسم والنحت أو الكتابة. هي لغة بنيوية للتواصل الإنساني في زمن التحضر والتمدن المعاصر. إنها جوانب موازية/مكملة للممارسة المعمارية الجيدة، والمهم جدا الجادة، أي المشاركة والاطلاع بمعرفة على دروب الابداع كافة هي وحدة مترابطة في سبيل التواصل بين الانسان وسعادته أينما كان. في الدراسة المعمارية الدروس النظرية بأهمية دروس التصميم. بل تستوجب النجاح بامتياز، الفلسفة والأدب وتاريخ الفنون، بجانبها النقدي، جميعها تحضير وتأهيل لممارسة مهنة العمارة. ولذلك المعروف عن دراسة العمارة أصعب دراسة اكاديمية، طبعا في المدارس الرصينة. في الكتابة المهم التحرر المطلق. اردت أن أشارك في الموقف والتعرف على المدينة من خلال تجاربي الخاصة في المدينة الفذة بغداد كل ما هو سائد من خصوصية جميلة مميزة، وأخرى تقليدية بالية، ومعوقات تخلف. في مؤلفاتي، اكدت الموقف والفكر الحر الذي أنا عليه، منذ أيام المراهقة، والدراسة والممارسة. والقصد هو المشاركة بنظرة المحب. بمنظور متحضر واسع. ومن خلالها المتعة بجمال الصياغة. في الشعر كمثال: منحى مهم في تعليمي، انتظر جريدة الاهالي والحرية لأستمتع بشعر بدر والجواهري ولميعة وسعدي ويوسف الصايغ وصديقي بلند وغيرهم من العرب محمود درويش وادونيس وجورج حاوي وسعيد عقل ووو. والآن متعتي الكبرى في الشعراء الاغريق، كفافيس وروسوس واليتس.ونكولايدس. في شعرهم كثير من التماهي مع شعراء العراق ولبنان.

مؤلفاتي معمارية صرفة. اخاطب بها الشباب، أحاول سد الثغرة الكبيرة بين المعمار وثقافته. لذا استعمل دائما ما تراكم عندي من شعر او ادب او فنون. أشارك بما تعلمت واحثهم على اخذ موقف من حقول الابداع هذه.

اما في النقد الفني، هو دراستي المكثفة. تاريخ الفن والعمارة مهم جدا في كتابة النقد. اكتب النقد الفني، عندما يدغدغ الفنان أو العمل التلافيف، وأريد أن اسجل رؤيتي وتحليلي. اجدها جزء من نمط العيش المعماري

• ما هو أسلوبك الخاص في الفن التشكيلي؟ وهل تنتمي إلى مدرسة فنية بعينها؟ وما أبرز أعمالك التي تعتز بها؟

• المهم أنكِ لم تنسي سيدتي

 أنا تعرفت على الفن منذ طفولتي، الفن من بيئتي ومارست التشكيل من باب دراستي لقيم الجمال في العمارة. والتي هي شاملة وواسعة. وخاصة في دراسة الحركات الفنية. خلال دراستي وترحالي، زرت وتعقبت عشرات المتاحف الفنية في العالم. أهمها تلك المعروفة في المانيا وانكلترا وبعض منها في الولايات المتحدة. التأثير علي آتي من المواكبة اللصيقة. لذا خلال عملي وعلاقتي بألمانيا وبعد اقامتي وزياراتي المتعددة لألمانيا، وجدت أن الرسامين الالمان اكثرهم قربا اليّ وتواصلاً معي، خاصة في فكر ما بعد الحداثة. بالمناسبة وجدت أن ما بعد الحداثة، واعني قيمها الجمالية، في الادب والعمارة هي من الحركات الفنية التي تسمح بتأثيرات الهوية، أي التركة، ونحن اغنياء.

•  لقد أكدت في أكثر من مناسبة على أهمية العمارة العربية الإسلامية. كيف توظّف عناصرها لإحياء الهوية الثقافية في أعمالك؟

• خير فعلت بتسميتها عربية إسلامية. والذي أنا ملتزم بهذه الفهرسة، والسبب انها وخاصة في العراق، إضافة الى العرب الاقحاح، من نتاج اسلام غير عربي. وعربي غير مسلم. هذا يعني الكثير، أي فيه انفتاح ذهني مهم في تقييم المنجز. لا تطرف في الفكر المبدع. انفتاحها لما تحمل من فكر وتقنية زمانها متقدمة جدا، تحمل نهج لا زال متأصلا في الفن العالمي، وهو علم القياسي والنسب، الذي نستعمله اليوم. من هنا الالتزام في توظيف الفكر، وليس العناصر حرفياً، أي الابتعاد عن التقليد المباشر، انما تبني الفكرة بصفة أبن البيئة وخلف لمدرسة متطورة لم تتجمد في يوم ما. وهذا ينطبق في العمارة بالإرث المناطقي المميز. وأن سميته منذ الستينات بجني المكان. أي أن كل منطقة ذات تركة مهمة لها جني ينم عنها. هوية/خصوصية غير منسوخة ولا مستعارة. اذن علينا أن نجاري الزمن والوقت، ونتعرف على ذلك الجني بقيَمه القديمة وما آل اليه، وانعكاساته الحديثة. من هنا نكتسب الخصوصية. من دون تقليد فكر وقيم مستوردة. جميع المدن المتحضرة لها هويتها المعاصرة. من نيويورك الى اليابان إلى إيطاليا، مدن لها نكهتها في مكون نمط العيش. 

• صدر لك عدد من المؤلفات مثل "توبوس"، و"ذروموس". ما الرسالة التي تحملها هذه الكتب؟ 

• مؤلفاتي معمارية صرفة. اخاطب بها الشباب، أحاول سد الثغرة الكبيرة بين المعمار وثقافته. اولهم " نوستوس – حكاية شارع في بغداد" وهو الكتاب الذي جعلني اداوم على المشق، وبعده توالت الحكايات. وجدت ان التسلسل يقودوني لا كمال الثلاثية المعمارية. والتي اسد فيها الفراغ الحاصل بين المهنة وبين من يمارسها.

وهي : نوستوس- حكاية شارع في بغداد ، توبوس- حكاية زمان ومكان / ذروموس – حكاية مهنة ، لذا استعمل دائما ما تراكم من جراء ممارسة العمارة وما عندي من شعر أو أدب او فنون. أشارك بما تعلمت واحث الشباب على اتخاذ الموقف في التمتع والمشاركة. من ثلاثية العمارة ولردة فعل الشباب استمريت بنشر ما اعتقدت انه قد يكون ذو فائدة. فنشرت الاتي. السرد البصري لمعمار عربي خواطر في زمن الكورونا رسائل معمارية الى وجدان ما تبقى.

• لقد تحدثت عن "مدن الصدفة"، أي تطورات عمرانية استهلاكية بلا روح. ما فلسفتك في هوية المكان والفرق بين العمارة الأصيلة والاستثمارية؟

• مدن الصدفة: مدن تلد هي ناضجة وتتغضن في فترة قصيرة. تنشأ بسبب حدث او كارثة، كالعثور على الاحفوريات، او هجرة بسبب الحروب والنكبات. الصديق الروائي الكبير عبد الرحمن منيف، صنفها مدن التيه أو مدن الملح.. مدن متكاملة بدون جذر لذا بدون هوية. أو نعم هوية منسوخة. في محاضرة وضعت خمس مدن في شريحة واحدة. دبي، سنغافورة، هونكونغ . شانغهاي، ونيويورك، صعب التفريق بينهما. العيب فيها وسبب وقوفي ضدها، انها أصبحت هي المقياس التافه، في نظام التفاهة. بغداد عمرها قرون من التراكم المعرفي والذاكرة المميزة. تتمثل بدبي وتلغي أصالتها، واسمها يبقى في كتب التاريخ فقط، وكذلك النجف لم يبقى من تاريخاها غير ضريح الامام علي. وهو الناسك الذي لا شبيه له. سيعملون منه تاج محل " صحن فاطمة وصحن الحسن " تحت التنفيذ. أربيل عمرها الاف السنين، مير بلدية يريدها دبي التي عمرها سبعة عقود.

• للعمارة قدرة على تشكيل مجتمع وتاريخ. كيف ترى العلاقة بين الذاكرة العمرانية والذاكرة الجماعية؟

• نعم هذا هو دور العمارة ولذلك هي العمران بعينه، لكن كيف ان يكون الدور هذا عندما يكون المعمار أو المخطط هو المشكلة. الم يفتح بناية البريد المركزي في الجادرية أبواب الجحيم في تشوية بغداد؟ بناطحاته الدخيلة " بوابة بغداد ومن اشكالها" التي تتناطح في ما بينها، قبل نطح السماء، المجتمع قيمهُ الجديدة؛ الجشع والفهلوة والكذب، ومنتزهه المول بدل السوق والمطعم والبستان. وخلفها الفئة الصغيرة الفاسدة وهي التي تشكل هوية المدينة " المهم مغيسل المال الحرام". مع العلم ان ٩٠٪ من المجتمع مغيب مشغول بمحاولة الحصول على حقوقه المكتسبة من سقف وماء وكهرباء وخدمات أساسية صحية وتعليمية. منوم وفي صحوته يحاول الحصول على نتف من حقوقه.

• وفي ختام هذا الحوار، ما هي رسالتك الإنسانية والإبداعية التي تودّ إيصالها للأجيال القادمة من المعماريين والمثقفين؟

• مؤخراـ كنت أعتقد ما نحن فيه هو مجرد كبوة. الحراك التشريني في بغداد اعطاني بعض الثقة. لكنها لم تدوم. المخرب قوي وجشع جبار لا يشبع. ،كنت اعتقد ما هي الا كبوة وجدتها. هبوط في قيم نمط العيش، التعليم في الحضيض. الجهل عمومي. و التخلف يسود طبقات المجتمع. عادات وطقوس بالية معوقة. المجتمع صنف طائفياً وعشائرياً ومذهبياً. واحد معمم من في يدهم القرار، نصب مضيف مستورد من بيئة الاهوار. ليثبت انتماءه. في دار المعرفة والسلام جاهلية معاصرة.

رسالتي وضعها لي الذكاء الاصطناعي، صاغها من تراكم مقابلاتي ومحاضراتي وكتبي. على هيئة "مانفستو". ليبقى من بعدي ، لربما ارفقه لكي عسى أن تجدي فيه ما يعالج.

الحلاج 130| 100 سم

مقاييس العمارة في المستنصرية ، واخر في الواسطي



تجوالي في العالم " بداية العمارة " 

الصورة ذات العلاقة " جامع الدولة بغداد "

من رسوم الوالدة 1945

 

عمارة يهودية معاصر " بغداد "

من تصوير احسان فتحي












أنت الان في اول موضوع
Reactions

تعليقات