القائمة الرئيسية

الصفحات

يحدث في هذا اليوم - رشدي الخميري


 يحدث في هذا اليوم

تدحرجت أشعّة الشّمس بين قطرات النّدى وبدأ نورها ينفذ من خلالها. واستهلّ الدّفء يرسل الحيويّة على الكائنات لتستفيق وتحيى فتدبّ الحياة شيئا فشيئا لنرى تحيّة مشرقة من هنا وهناك خرجت من تحت قبّاعات كانت تحمي الرؤوس من برد الضّباب وقطراته المتساقطة دون هوادة ومن أيادي أخرجها أصحابها من جيوبهم عندما لامسوا دفء الشّمس. وتنبعث ترتيلات الفرحة من أفواه عشقت الحياة والنّاس فتسوق السّلام والتّهنئة بقدوم يوم جديد ربّما سيكون خيره وافرا عكس الأيّام السّابقة. ثمّ تدور عجلة اليوم بنسق كلّ واحد منّا على حده لكنّها تجتمع لتشكّل فسيفساء غاية في الجمال ودقّة التّصفيف تصعب على يد الفنّان المتمرّس ترتيب مكوّناتها لأنّ حبيبات هذا الفسيفساء أناس تختلف شكلا ومضمونا لتصنع لوحة حيّة ومتحرّكة. ويغيب الضّباب وكأنّه انهزم أمام أشعّة الشّمس واستسلم متراجعا تاركا أرض المعركة لترفع فيها الشّمس رايتها معلنة الفوز وبداية التّحكم في مجريات الأحداث لهذا اليوم في انتظار مقابلة قادمة يصعب التّكهّن بنتيجتها خاصّة وأنّ الفصل هو فصل الضّباب. ويستحيل النّوم والجلوس إلى المدفأة إلى حركة دؤوبة بين الدّكاكين والباعة المتجوّلين قصد تحقيق ربح سمحت به ظروف كلّ منّا أو سمح به النّسق الّذي اعتمده النّاس كلّ حسب طاقته وإمكانيّاته الماديّة وربّما الفكريّة. وتظلّ الشّمس تراقب من عليائها ما فعلته يدها في النّاس وفي الطّبيعة وما صنعه النّاس غانمين من يومهم الجديد. والشّمس تتحوّل ببطء ممّا يسمح لها بمعاينة ظافية شافية لكلّ مكان حازته يدها في معركتها ضدّ الضّباب حتّى تصل إلى القمّة وتفرض ضغطا قويّا يجعل الحركة سريعة أكثر فأكثر وكأنّه إعلان لبلوغ عنفوانها وسيطرتها التّامة أو إعلان بدخول زمن جديد قد تقوى فيه الشّمس أكثر أو قد يكون العكس تماما. وأخيرا يتّضح أنّ الشّمس بذلك بدأت تتهاوى ليعود الضّباب من جديد شيئا فشيئا ويأخذ مكانه الّذي افتكّ منه. أمّا النّاس فقد جمعوا ما استطاعوا وما سمح به النّسق الّذي سلكوه فيسكنوا ويعودوا اظراجهم من حيث خرجوا وتعود قبّاعاتهم فوق رؤوسهم وأيديهم إلى جيوبهم عودا على بدء..
رشدي الخميري/ جندوبة/ تونس.
Reactions

تعليقات