القائمة الرئيسية

الصفحات



*جائزة نوبل حدث تاريخيّ بدأ في 10ديسمبر 1901،لم يكن هذا الحدث إلّا مولودا من رحم الموت نشأ صدفة لأنّه قرار اتّخذه "ألفريد نوبل" حين أحسّ بكُرْهِ المُجتمع الإنساني له... بدأت الحكاية حين تفاجأ هذا الرّجل سنة 1888 بخبر في صحيفة فرنسيّة يُعلن وفاته(لكنّ المُتوفّى الحقيقي كان شقيقه)،وتمّ في النّعي التّنديد بألفريد نوبل لاختراعه للدّيناميت تحت عنوان"تاجر الموت ميّت"،ثم"الدّكتور ألفريد نوبل الّذي أصبح غنيّا من خلال إيجاد طرق لقتل المزيد من النّاس أسرع من أيّ وقت مضى توفّي بالأمس"...حينها شعر نوبل بخيبة أمل ممّا قرأه وانتابه القلق بشأن ذكراه بعد مماته،...نعم فكّر في اسمه الّذي سيكون مُلطّخا بدماء أبرياء الحروب ولم يُفكّر في الأبرياء الّذين أهداهم الموت،..لذلك قرّر أن ينقش اسمه في سجلّ التّاريخ الإنساني بماء الذّهب ليشهد له العالم بأنّه أفاد الإنسانيّة،فوقّع وصيّته الأخيرة لدى النّادي السّويدي النّرويجي في باريس مُكرّسا الجزء الأكبر من شركته لتأسيس جوائز نوبل الّتي تُمْنَحُ سنويّا دون تمييز لجنسيّة الفائز... قد يكون الرّجل قد ندم كما قيل،...لكنّ هل حقّقت الجائزة مازعم أنّه وضعها من أجله؟لن أتحدّث عن المجالات المُتعدّدة الّتي صُنّفت ضمن الجائزة بل سأختار مجال الأدب،فقد أثارت الجائزة الأدبية الكثير من الاِلتباس وهي الجائزة الّتي تُمْنَحُ للأعمال الأدبيّة التي تكون عادة"في اتّجاه مثاليّ". *ولسنوات عديدة تمسّكت الأكاديمية السّويدية بمعنى "المثالية" فكان ذلك سببا لعدم منح الجائزة لكُتّاب مُهمّين ولكن أقل رومانسيّة، مثل "ليو تولستوي"،...ومنذ ذلك الحين تمّ تنقيح ذلك التّفسير ومُنِحَتْ الجائزة ل"داريو فو" و"جوزيه ساراماغو" وغيرهم من الّذين لا ينتمون إلى فئة المثاليّة الأدبيّة...وإلى اليوم لازالت هذه الجائزة غامضة على مُستوى مقاييس الاِختيار ولعلّ البعض يُقدّسون هذه الجائزة كما يُقدّسون من يتحصّل عليها فأغلب النُّقّاد في المجتمعات العربيّة لا زالوا لا يجرؤون على الاقتراب من أدباء "رموز" قدّسوهم ومنعوا نقدهم...هكذا كان نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل للآداب كاتبا رمزا وكأنّ من منحه الجائزة كائنا مُقَدَّسًا نزل من السّماء ليختاره من بين كلّ الكُتّاب العرب...
*لا أحد يُمْكِنُ له أن يُنْكِرَ إبداعات نجيب محفوظ في الواقعيّة النّفسيّة(السّراب )،وفي الواقعية الاجتماعية (الثّلاثيّة)،وحتّى في الرّمزيّة(الشحاذ)،...كما نجح في مراحل مُتقدّمة من مشواره الأدبي في ولوج مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفنتازيا(الحرافيش،ليالي ألف ليلة)،وكتابة البوح الصّوفي والأحلام(أصداء السّيرة الذّاتيّة،أحلام فترة النّقاهة) اللّذين اتّسما بالتّكثيف الشّعري وتفجير اللّغة.....لقد كانت مؤلّفاته بمثابة مرآة للحياة الاجتماعيّة والسّياسيّة في مصر، وهي تدوين معاصر لِهُمُومِ الوجود الإنساني ووضعيّة الإنسان في عالم يبدو وكأنّه هجر الله أو هجره الله....هكذا نُقِرُّ جميعا أنّ هذا الأديب كان مُبْدِعًا،..لكن هل أنّه كان الأفضل؟هل نال جائزة نوبل الّتي كان بها أو بدونها عظيما عن استحقاق دون غيره من الأُدباء العرب؟هل أضافت له أم استنقصته؟؟؟؟
*الإجابة واضحة:يعتبر البعض أنّ هذه الجائزة تستند إلى مقاييس الغرب الثّقافيّة و السّياسيّة،...ولو لم تكن كذلك لما رفضها الأديب العالمي"برناردشو" الّذي قال حين فاز بالجائزة سنة 1925:"إنّني أرفض هذه الجائزة لأنّها مثل عجلة المطّاط الّتي تُلقَى للسّابح الّذي يكون قد بلغ الشّاطئ"،...كمارفضها الفيلسوف الفرنسي"جان بول سارتر"قائلا:"إنّ موقفي إلى جانب حركة المُقاومة في فنزويلا يجعلني أنا وحدي مُلتزما تُجاهها،بينما إذا تعاطف سارتر الحائز على جائزة نوبل مع هذه الحركة فإنّه يجُرّ خلفه جائزة نوبل الّتي تُمثّل الهيئة الّتي منحتها"...وهكذا رفض هذه الجائزة الأدباء الّذين خيّروا الالتزام بمبادئهم الإنسانيّة،...فلماذا قبل نجيب محفوظ هذه الجائزة مع أنّ التّاريخ كان سيُمجّد عظمته لو أنّه رفضها كما مجّد غيره؟
*تهالك نجيب محفوظ و توفيق الحكيم ويوسف إدريس على الجائزة وربّما ظنّوا أنّ الوصول إليها لن يتمّ إلا عبر "إسرائيل" لما للصّهيونية العالمية من نفوذ على الأكاديمية السّويدية الّتي تمنح الجائزة،لذا دخل ثلاثتهم في مُباراة لتأييد السّادات وأطنبوا فى التّهليل للتّطبيع الثّقافي مع"إسرائيل" وتباروا فى الغزل مع كُتّاب ونُقّاد من "إسرائيل" وتنكّروا للمفاهيم الأدبيّة والفكريّة والقوميّة من أجل جائزة أساءت إليهم،...وأكبر إساءة حَظِيَ بها الفائز نجيب محفوظ الّذي أيّد"كامب ديفيد"،فجائزة نوبل ليست قمّة الأدب بالنّسبة إلى الكاتب الحقيقيّ والمُتتبّع لتاريخ هذه الجائزة سيُلاحظ الكثير من علامات الاستفهام والتّعجّب حول مُلابسات منحها:(مثلا فى عام 1953 مُنِحَتْ الجائزة ل"ونستون تشرشل" الّذي ارتبط اسمه بالدّمار في الحرب العالمية الثانية،وبعد ذلك مُنِحَتْ بدون وجه حق لليهودي الأميركي "سول بيلو" و"يوسف عجلون"الإسرائيلي)، لقد مُنِحَتْ هذه الجائزة لأديب عربى كان سيظلّ عظيما لو لم يقبلها لينضمّ رسميّا إلى شقّ الانفتاح على الصّهيوني الإسرائيلي"ساسون سوميخ"في رسالته الشّهيرة إليه وأكيد أنّ هذا الاِنفتاح هو الّذى منح نجيب محفوظ الجائزة.
*نصّ الرّسالة كما ورد كاملا:["إلى الأستاذ ساسون سوميخ، إليك صادق تحيّاتى وشكري،وبعد،فقد اطّلعت على رسالتك بسرور صادق،إعرابا عمّا أكنّه لك من شكر لعنايتك الكريمة بدراسة أدبي وقد صرّحت في أكثر من مجال بأنّ كتابك عنّي يعتبر عملا نقديا عميقا وعاملا وشاملا وأنّه يُعْتَبَرُ من أفضل ما كُتِبَ عنّي إن لم يكن أفضلها جميعا وطبيعي أننى لمست فيه حبك للأدب العربى ولاٌجتهاداتي فيه لا تحرياتك عن عقلية عدوّ بل أن دراستك كانت غنيّة فى المقام الأول وإنسانية بالمعنى الشامل والدقيق وأني أوافقك على الأسباب التي منعتك من الاتصال بي وأنت بصدد التأليف والحق أن الاتصال بالمؤلف -فيما عدا التحرّي عن بعض المعلومات الموضوعية إذا تعذّر الحصول عليها- غير مجد في نظري بل لعله مُضلل فنحن لا نكتب للتّعبير عن أهداف جاهزة يمكن إبلاغها للغير بقدر ما نكتب لاكتشاف هذه الأهداف وبالتالي لاكتشاف أنفسنا والآخرين وذلك هو الغالب فى ثلاثة أرباع العمر،شكراً لك تقديرك لدوري في أدبنا وأرجو ألا تكون مُغاليا فيه كثيراً...أرجو أن أشكرك بنفسى في يوم قريب إن شاء الله ولْنَدْعُ اللّهم معا أن تُكلّل المساعي المبذولة اليوم بالنجاح وأن يعود شعبانا إلى المعاشرة المثمرة كما كان الحال فى ماضيهما الطويل فما لا شك فيه أن تعاونا مثمرا قام بين شعبينا على مدى الأعوام الطويلة فى العصور القديمة والوسطى والحديثة وأن أيام الخصام كانت قصيرة وقليلة غير أننا ويا للأسف عُنِينَا بتسجيل لحظات الخصام أكثر مائة مرة من تسجيل أجيال الصداقة والتعاون وأني أحلم بيوم يُحيل بفضل التعاون المشترك هذه المنطقة إلى مقام مضيء بمشاعل العلم مبارك بمبادئ السماء السماوية وإلى اللقاء يا سيدى الأستاذ العزيز وأنت وأوطاننا على خير حال.- المخلص نجيب محفوظ -/القاهرة 12 / 10 / 1978.]
_____________________________________________


*أخيرا أُُثَمِِّنُ إبداعات نجيب محفوظ الأديب،فالكتابة لديه ملكة لا جدال فيها،...لكنّني أراه قد ظلم نفسه وظلم الأدب العربيّ حين انحنى لجائزة وُلِدَتْ في الحضيض مع "ألفرد نوبل(تاجر الموت)،وعاشت تمحونا خدمة لسياسة غربيّة تُعادي من يرفض التّطبيع.(ما كتبتُه رأي يُلزمني دون غيري، رأي قابل للنّقاش في كنف الاحترام).


_________
ليلى كافي/ تونس
Reactions

تعليقات