القائمة الرئيسية

الصفحات


قدم الفتى سالم من ريفه القصي إلى مركز المدينة المتاخم للجبل في يوم اكتسحه الضباب .. يروم الحصول على هوية تحقق انتماؤه لهذه الأرض ..
لما دخل مركز الحرس كان مظهره الأشعث بملابسه البسيطة وبنظراته الحائرة التي امتزجت بشيء من الخوف أظهره تهدج صوته وكلماته القليلة المختارة بعناية من يخشى أن تحيد عن مسارها المرسوم أو تثير حفيظة المتلقي..
سلّم بصوته المتعثر على الأعوان الذين كانوا جالسين إلى كراسيهم وقد ظهرت فقط رؤوسهم من وراء الجدار الإسمنتي ..
نظروا إليه ثم انهمكوا مجددا في إعمالهم .. فظل واقفا حتى سأله احدهم عن بغيته بصوت جاف وبلهجة متذمرة حانقة..
فتقدم سالم قليلا ثم قال : هذه وثائقي قد استكملت تجميعها كلها من اجل استخراج بطاقة هوية سيدي واني اطمع أن تتقبلوا مني الملف .. فانا أتعجل ذلك حتى أتمكن من المشاركة في مناظرة للتكوين السياحي وقد أوشك اجلها على الانقضاء..
نظر له العون .. صمت قليلا كمن يريد الفكاك من هذا الطلب .. أمال قبعته ثم قال : للأسف ليس لنا مطبوعات ... عد الأسبوع القادم قد تجد ضالتك..
لم يجد سالم بدا من الرضوخ ولم يجرب حتى أن يحاول من جديد أو أن يترجى.. غادر خائبا وهو كظيم .. ورضي بالأمر رضا المكره المغلوب ..
حين كانت أقدامه تهم بمغادرة باب المخفر الخارجي والضباب بعد ثقيل السد ول على المكان.. لاحظ في مدى رؤيته القريب حركة غريبة لأشخاص ملثمين شاكيي السلاح ..
فتراجع وجلا وقد استحال الريق في فمه إلى مرارة ..
ثم استدار مهرولا إلى حيث ترك الأعوان داخل البناية وصاح هذه المرة بقوة وبلهجة محذرة وآمرة معا
- خذوا حذركم .. انتم مهددون.. استعدوا ،جاء القتلة مع الضباب يستعجلون أجلكم... رايتهم الآن حول المخفر ..
ارتبك الأعوان تنكبوا سلحتهم .. تواصلوا لاسلكيا مع بقية الوحدات المنتشرة في المدينة ..
وظل سالم يرابط أمام الباب ينتظر وجلا مرتعبا ... وعيناه تتسع من بين الضباب المنتشر تبحث عن تلك الشرور التي رافقت قطعته الكثيفة وجاءت بالموت..
وما هي إلا لحظات حتى ولول الرصاص يتجه نحو باب المركز ..
تناثرت حبات الرصاص في كل الأرجاء وسالم بعد يجرب أن يحتمي منها.. انبطح أرضا ثم زحف باتجاه زاوية منعزلة انعطفت عن مصدر النار ...
لم يكد يصل مكمنه حتى أحس بوخزة حارة في فخذه أعقبها إحساس بلزوجة حارة تكتسح الفخذ ..
حاول إتمام الزحف لكنه استشعر ثقلا غريبا منعه من التقدم... ولم يجد بدا حينها أن يضع يديه فوق رأسه كمن يحاول الاحتماء وردد الشهادتين وسلّم أمره لله....

--------
متابعة / سهام بن حمودة
Reactions

تعليقات