القائمة الرئيسية

الصفحات


الفصل 15 من روايتي " الدجّال "
بعنوان:
جنّية القريض
لهفي على دعدٍ وما خلقت * إلا لفرط تلهفي دعد.
دوقلة المنبجي
خلال الحُزمة الثانية من قصائدها اللازورديّة التي كتب بعضها بروح مُختلفة ملؤها الحدس، في متاهة مُشفرة من المعاني كأنّها مكتوب غرامي سرّي كانت الدّلالات أكثر ذاتيّه تُشع بروح أنثوية لم تكن تتجلى في الأشعار الأولى، في لمحة مُبهمة من السّحر تتراوح بين الواقعية والخيال، تناولها هاشم بحُرقة وكأنّه يفتش عن سرّ غامض وطفق يطالعها ليلا في غرفته المعزولة وعيناه تعبُران من طالع كل قصيد إلى سواه، حتّى التقت مُقلتاه بخلطة الكلمات التي صار يتشمّمها بلهفة تحاكي نشوة " غرانوي " بطل رواية العطر بروائح ضحاياه وهو ما ينفك يقول:
ليلتي هذه عروس من الزّنج عليها قلائد من جُمان.
ظلّ سادرًا في حُلمه يعتريه شعُور غريب، تتألق فيه المعاني بطريقة تبدو قابلة للتّشكل في صورة مخلوقات جميلة... تتبدّى في هيئة ملائكة مُجنّحة، أو عرائس بحريّة، كائنات مُتجانسة من عالم الفراديس، ذات طبيعة مُوحّدة تمتلك قوّة روحيّة قابلة للتجسّد، تطل عليه فتكاد تُرى ولا ترى... ضباب لوجه لا عمر له وكان يطلق عليها كلما لاح طيفها إسم جنّية القريض. وها هو لطول تأمّله الحالم، يشعر بهالة من الأثير الدّافئ، في هيئة كائن بشري تحنو عليه فوق هامته، فتغمره بالدّفء في مضجعه، كأمّ تعكف على وليدها دون أن تمسّه، في مزيج من الرّهبة والحنان فمكث مُتجمّدا في موضعه لا يُصْدر غير تنفس مُوقّع، خشية أن يتلاشى ذلك العطف المُتدفّق. يغمره شعور من الونس بتلك الأنفاس، فيندفع يُحاكيها عن عالمه المجهول، فلا يغمض له جفن وكلما تجلى ذلك المُحيّا العلوي وتوضّح، أخذته رجفة فصار أقرب إلى الهذيان. كان ذلك المخلوق النّوراني يشع ويختفي كسنا البرق وصادف أن تألق في مُخيلته ورسخ فصار أدنى إليه من حبل الوريد، وجْهًا ليس له عمر، ينطبع في ذاكرته وكأنّه يقول له " أغدا ألقاك " وكان هاشم على يقين راسخ من لقائه في ذلك الغد الموعود وهو لا يعلم إن كان سيزوره في شكل مُموّه أم صريح.
------
متابعة / سهام بن حمودة
Reactions

تعليقات