القائمة الرئيسية

الصفحات


الحلم الطائر
تهالك على الأرض ثم جعل مرفقه متكأ و ظلّ شاخصا إلى ما يحيط به. و رغم صغر سنّه لبس لباس الكبار و جلس جلستهم و راح يتأمّل مثلما يتأمّلون. جمع الطّفل بين الوسامة و الشدّة في الآن نفسه. فوجهه يعتليه بريق الحمرة و الجمال. و عيناه ترسلان معاني البأس و قوّة الشّخصيّة.. تتّقدان ضياء و يلمع فيهما الذّكاء و الفطنة. اتّكأ أمام الكوخ وجلب إلى حظيرة تفكيره كلّ الّذي كان يختلج في نفسه ويحفّزه..فجمعته مباراة كرة قدم بمن هم في مثل سنّه و صار يسمّيهم بأسمائهم هيّا يا....مرّر لي الكرة..احذر يا..لا تجعله يقذف الكرة .. احم المرمى يا...و تفاعل الطّفل مع صياح الأطفال وضجيجهم و اختلافهم في الحكم على وضعيّات في لعبتهم و شجارهم عمّن تؤول إليه الكرة إثر تلك الوضعيّات..ثم يمرّ أحد الشّباب وهو يكبرهم سنّا فيحكم بينهم لتؤول الكرة إلى أحد الفريقين فيعود اللّعب و يعود الرّكض وراء الكرة و الصّخب و التّنافس و من حين لآخر يعلو صوتهم فوق العادة لأنّ أحد الفريقين سجّل هدفا..و تعرف هذا من ملامح وجه الطّفل أو من حركة جسمه الممدّد على الأرض..ثم ينتقل الطّفل إلى المدرسة ..فها هو يلبس ميدعة جديدة اشتراها له أبوه من أحد دكاكين المدينة بثمن باهض مع سروال يتماشى و موضة اليوم ، وانتعل حذاء رياضيّا من النّوع الرّفيع جلب نظر كلّ التّلاميذ و حتّى المدرّسين..ووضع الطّفل على ظهره محفظة جميلة و متينة كان قد حمل فيها بالإضافة إلى كتبه و كرّاساته و أقلامه المتنوّعة و المختلفة لمجة سيتناولها وقت الرّاحة و سوف ينزوي بعيدا عن أقرانه كي لا يحسدونه ولا يفتكّون منه بعضها..أمّا في القسم فقد جلس الطّفل في أحد الطّاولات الأولى و كان جلّ الأطفال يتسابقون للجلوس معه في نفس الطّاولة فهو بالإضافة إلى ذكائه المتّقد وخطّه الجميل كانت له كرّاسات جديدة و رفيعة و كتبه مغلّفة بأجود و أغلى الغلافات و كان كلّ المعلّمين يثنون عليه دائما لأجل ذلك..يبدأ الدّرس فترى الطّفل أوّل من يرفع إصبعه ليجيب عن سؤال أو ليحلّ مسألة أو ليضيف بعض المعلومات أو بعض الايضاحات لما قدّمه المعلّم فهو يملك حاسوبا في منزله وانترنات و في ابحاره كان يجمع معلومات إضافيّة من هنا و هناك فتتّسع دائرة معارفه ويفوق بذلك أقرانه و هذا سبب آخر يجعل الأولياء يوصون أبنائهم بالتّقرّب من صديقنا و محاولة الجلوس معه في نفس الطّاولة..ثم يعود من المدرسة على دراجته الهوائية و قد سبق كلّ مرافقيه في الطّريق حتّى أنّه كان يترقّبهم من حين لآخر ليغيضهم ثمّ يعاود الابتعاد عنهم بدرّاجته السّريعة و هي هديّة عيد ميلاده الأخير جلبها إليه أخوه الّذي كان يملك الكثير من المال و عملا يدرّ عليه ما لا يحسب و لا يقدّر..ثمّ تحوّل الطّفل من المدرسة إلى داخل المنزل حيث كان كلّما عاد من المدرسة أو من اللّعب جلس على أريكة يشاهد شاشة التّلفزة الّتي تملأ جدار قاعة الاستقبال فشاهد فلما أو برنامجه المفضّل من الصّور المتحرّكة ثمّ جلس إلى طاولة الإفطار مع أفراد عائلته فتناولوا الغداء أو العشاء ثمّ الفاكهة والغلال الّتي كانت تزخر بها الثّلاجة ..وبينما الطّفل منشغل بأحلامه إذ بأمّه تناديه و تطلب منه أن يذهب إلى العين ليجلب الماء..فاستفاق ووجد نفسه حيث تهالك منذ زهاء ساعة بعدما رافق أباه إلى المرعى ليعاونه على قيادة الشّويهات إلى هناك. و ها هو ذاهب إلى العين حيث يملأ الماء و يلتقي ببعض الصّبية الّذين كان يذكر أسماءهم وهو يتخيّل نفسه ينافسهم في مباراة كرة القدم ليحدّثوه عن المدرسة الّتي طار به خياله إليها و هو متكئ على مرفقيه و القسم وأصدقائهم و المدير و المعلّمين فهو لم يدخل المدرسة بعد. وسيذهب إلى العين على ظهر حمار فصديقنا لا يملك درّاجة كما رأى في أحلام يقظته وأمّا عن عيد ميلاده فأبواه لا يكادان يتذكّرانه فقد علق بأذهانهم أنّه ولد سنة كذا و لا قبل لهم بحكم عدم تمدرسهم أن يتذكّروا يوم ميلاد ابنيهما...وبالنّسبة لأخيه فهو عامل بسيط في المدينة يعمل ما طالته يده فقط ليعود بما يسدّ به رمق العائلة فهو لم يحصل على شهادة تمكّنه من الحصول على وظيفة و ليس له مال يسمح له بامتلاك مشروع أو غيره..فهل لهذا الطّفل من سبيل كي ينجح في تحقيق أحلامه و ينقذ عائلته؟ وهل من سبيل لمن في مثل حالته أن تشرق شمس يوم ما و يجدون أنّ الحال تبدّل و استحال إلى ما يمكن تسميته حياة؟
رشدي الخميري/ جندوبة / تونس
 

Reactions

تعليقات