القائمة الرئيسية

الصفحات


زارنا الموت ٢
و يأبى الموت إلاّ ان يعود لميعاد ضربه مع قريبتي وكأنّه يريد أن يثبت أنّه حريص على الوفاء بوعوده . كنّا نتمنّى ان يكون وعدا كاذبا كالّذي تعوّدناه من بعضهم في حين اننتظر منهم الوفاء بوعودهم وما وفوا. وكنّا نرجو ان يسهو عن موعده أو حتّى عن الموقع و الأوان فما نسي عكس الّذين اعيانا التّوق إلى مواعيدهم و لم نظفر منهم بوصل و لو وجيز. عاد الموت و امام نفس الوجوه الّتي هدّدها أو وعدها بالعودة . هذه المرّة لم استطع ان أقرأ أيّ علامة مختلفة من واحد لآخر لأنّ العلامات كانت نفسها، يكفي ان تتأمّل وجه احدهم لتقرأ كلّ الوجوه. أصرّ الموت على العودة لكنّه ارضى من ضرب معه موعدا في حين كان شديد القسوة على المنتظرين فقد أقضّ مضجعهم وهزّ أفئدتهم ..بكوا ..صرخوا..لعنوا من كان سببا في فراقهم عن أحبّتهم ..وكلّما دخل شخص يستطلع الأمر إلاّ و دخل في حسابات الموت ليعلم أنّه ممّن ينتظره موعد مع هذا المصير غير المرغوب فيه لأنّه يباعد بين النّاس ويسلبهم فرص التّواصل حتّى الّذين أحاطوا بالفقيد غابت عنهم اساليب التّواصل وفقدوا ألسنتهم إلاّ من لغة الحزن واللوعة والنّحيب. ويحدث أن يتدخّل من تمالك عقله ليثبّت أفئدة الملتاعين فلا يجد لخطابه صدى و لا قبولا فالموت حضر والعقل انتفى وباتت الدّمعة رسالة بين القلوب والعيون. بين الحين والآخر تهدأ الأصوات ليعود العقل إلى العمل فتسكن النّفوس وتنبسط الأسارير وتعود للألسنة لغتها وتتصاعد بعض الضّحكات المصعّدة لما يجول في خوالج الحاضرين من خوف ولوعة في الآن نفسه، لكنّ هذه الضّحكات هي بائسة وتغطّي قناعة بأنّ الموعد مؤجّل و مدرج في جدول أعمال الموت إلى حين لذلك هي ضحكات بإيقاع رقصات الدّيك المذبوح والّذي ما عاد ليخسر شيئا إن رقص أو بكى أو ضحك..لكن مع هذا و بالرّغم منه يجب على العقل أن يلعب دوره و يعود إلى ممارسة صلاحيّاته فما هناك على البسيطة من دائم وما خلد على الأرض حيّ. لتستمرّ الحياة ولتستمرّ البسمة والعمل فالغد نعيش له ولا بدّ أن نعيش له حتّى و إن علمنا أو تكهنّا بمآله. يا موت سنعيش لدنيانا و سنبتسم ونضحك في وجهك ورغما عنك فنحن على ضعفنا أقوى منك إذ أنّك رغم سطوتك لا تقوى على منعنا من مجابهتك بحبّ الحياة وسننتصر عليك بفعلنا من أجل وطننا وعائلاتنا فلن تقوى على إخافتنا ..رسالتك محدودة ورسالتنا مستمرّة ..لن تجد بعد اليوم فرصة لإخافتنا. سنعيش ..سنضحك..ولن تعيقنا...
رشدي الخميري/ جندوبة / تونس

 

Reactions

تعليقات