القائمة الرئيسية

الصفحات


في منزل الجار
تغيب الشّمس وتميل الحركة و الأصوات في حيّنا إلى السّكون..وتفيض مشاعر الدّفء في المنازل حيث عادة يلتقي أفراد العائلات و يتنادون إلى التّحلّق حول طاولة أو مائدة يؤثّثها أكل صنّف على قدر سعة النّاس و شهواتهم..وتقام حوارات تختلف مواضيعها وأهميّتها حسب حاجة النّاس و مستوياتهم الثقافيّة والغلميّة..و البيوت كما يقال" أسرار"..من بين بيوت الحيّ السّاكن بعد مغيب الشّمس بيت أحدهم جلب ما طاب ولذّ.. و استدعى جمعا من النّاس اختلفوا جنسا وسنّا ..لكنّ السّكون لم يلج البيت بقدومهم..لعلّ الحاضرين لم يعرفوا أو ربّما يعرفون و تناسوا أن حيّنا عادة يكون هادئا في ذلك الوقت من النّهار..و حتّى المواضيع التّي طرحت يمكن للمنازل المحاذية لجارنا أن يتابعوها جيّدا فالأصوات كانت مسموعة جدّا وجليّة..ثمّ وعلى غير العادة تعالت أصوات أطفال اختلفت أعمارهم و تنوّع جنسهم و كانوا خارج ذلك البيت ..إنّهم يلعبون و لعبهم يثير الضّجيج..هههه..تلك نواميسهم و قوانينهم..داخل البيت مازالت الأصوات عالية و مازلت قادرا على أن تتابع كل ما يدور فيه لكنّك لست قادرا على الإدلاء برأيك فلن يسمعك أحد..لكنّك تريد أن تقول شيئا فلك رأي قد يفيد و قد يسهم في حلّ المشكل المطروح..أبدا لا مجال لذلك..من حين لآخر تسمع أنّهم اتّفقوا فتغضب لأنّك لست موافقا على صيغة الاتّفاق ووددت لو يسمعك أحدهم فيتغيّر ما اتّفق عليه أولئك..لم يطلبوا رأيك فهل ستتعسّف على النّاس و أنت غير مدعوّ لتكون معهم. في الحقيقة، الموضوع و كلّ المواضيع الّتي يمكن أن تطرح في بيت ذاك الجار يمكنك أن تدلي فيها بدلوك فرفاهيّته تهمّك و العكس سيجعلك مستاء و قد يضرّك..فما بال الأطفال يلعبون و يمرحون بلا رقيب ولا حسيب؟ ههههه لقد طردوهم الكبار ليفسح لهم المجال في حديث رائق بدون ضجيج و لا مقاطعة.. وحتّى لا يسمع الصّغار حديث الكبار ههههه..و فاتني أن أتساءل..لماذا اقصيت أنا و أقصي بقيّة الجيران؟ فقد بلغ إلى مسمعي أنّ الموضوع يهمّ الحيّ و أهله في حين من حضروا اللّقاء لم يكونوا كلّهم من حيّنا و لا يعرفون الكثير عنه و عن أهله..واصل الأطفال لعبهم وصياحهم كأنّ بهم خدر أو أنّهم جبروا على اللّعب بعيدا عن الكبار إلى حين انتهاء الحوار ..و انتبه بعض الجيران إلى المسألة فسعوا ليعرفوا ما يحاك ضدّهم ربّما أو ما قد ينالهم من الاتّفاقات المبرمة في منزل الجار..فهرع إليهم بعض المؤتمرين يصدّونهم ويندّدون بهذه المقاطعة و الحال أنّ ما يدور في الدّاخل كان لصالحهم ولصالحهم وحدهم و لن يستفيد منه إلاّ الجيران. عجبا..فلماذا إذا لم تقع دعوتنا ؟ ألأنّنا لا نعرف مصلحتنا؟ هل تنقصنا المعرفة و الإلمام بما يدور في الحيّ؟ المفروض هي مصلحتنا و نحن أدرى بها..و المفروض أن أيّ موضوع حول الحيّ تقع مناقشته من طرف أهل الحيّ ..أرى أن الخطأ فينا وليس في الجار و ليس في النّاس الغريبة عن الحيّ..يجب ألا نسمح لجارنا و مدعوّيه أن يتفاوضوا فيما يهمّنا ويجب أن يكفّ الصّغار عن اللّعب ليهتمّوا هم أيضا بما قد يهمّهم حاضرا أو مستقبلا..و السّبيل إلى ذلك هو أن نعتاد على عدم إهمال الحيّ و ما يدور فيه ..والسّبيل إلى ذلك أيضا هو أن نستدعي كلّ من يهمّه الأمر في الحيّ ..الصّغير و الكبير و كلّ من ينتمي إليه دما و لحما و وجدانا...
رشدي الخميري / جندوبة /تونس
 

Reactions

تعليقات