القائمة الرئيسية

الصفحات


حكاية مهرج 

يمشي على إستحياء، لا يلتفت وراءه، كلما أنهى جولته بأسواق الإقليم، يحمل حقيبته الخضراء البالية، ملقياً بها على كتف وعلى  الأخرى علّق جلبابه التقليدي الذي له فيه مآرب متعددة، يرتديه عندما يلسعه برد الشياظمة المخاتل، وفي آحايين أخرى يعتمد عليها كإكسسوار   لعرض تمثيلياته أمام جموع من القرويين البسطاء، الهاربين من جحيم الحياة الضنكة، يسرقون بوقوفهم في حلقته دقائق من موكب السعادة الهاربة إلى الغرب حيث القصور والضياع والعيون الرقراقة[...].

يتكأ شيخ سيتني على صديقه الذي خالط الشيب لحيته، وهو يقهقه كرد فعل على نكثة آلقى بها المهرج يقلد فيها شيخاً يحاول أن يغري جاره ببيع أرضه الفلاحية...

يرد الشيخ على صديقه: مسخوط هذا المهرج لم يترك شيخاً ولا عاهرة ولا ديكاً إلا وقلده[...]
في زاوية من الحلقة يقف طفل إستهوته نكث المهرج، فرغم أن الجنس طابو لا يمكن معالجته في الفضاءات العمومية، إلا أنه لا يستنكف أن يمطر جمهوره بقصص ونكث تمتح قاموسها من الجنس.

داخل تلك الدائرة البسيطة،  كان المهرج يخلق عالماً من الفرجة والمتعة لجمهور إختلفت أشكاله وأعماره ووضعيته الإجتماعية، فكانت أرواحهم تتسامى على الإختلاف لتلتقي في لحظات من البهجة والمتعة، تجعل المتابع لهم في حيرة من أمره،  هل هو أمام مهرج؟ أم أمام شيخ طريقة ومريديه في حالة من الوجد؟.

بين الفينة والأخرى كان المهرج يوقف عروضه الساخرة، ويرفع أكفه إلى السماء مردداً أدعية، يحث من خلالها الحاضرين على منحه بعض الدريهمات، يجمعها على إستحياء، مخترقاً الصفوف للوصول إلى المتفرجين... فيستل القروي من تحت حزامه درهماً يرمي بها إلى المهرج، الذي يعود الى وسط الحلقة، ليعد الدريهمات التي جاد بها جمهوره البسيط، ثم ينطلق بنفس الهمة في عرض نكثه المضحكة وحكمه المستقاة من مدرسة الحياة، وقد يلعب في لحظات معينة دور الأستاذ طارحاً سؤاله على المتحلقين حوله قائلا:
علاش النمل كيدخل القمح حبوب، ومن بعد كيخرج القشرة ديالوا؟ كاين البعض فيكم لغادي يقول أنه كمل وكلا المخزون ديالوا؟ 
يتوقف بعد طرح سؤاله، ويجيل بصره في جمهوره الغارق في الضحك،وبعد عودتهم من رحلة الضحك الهستيري، يشرئبون بأعناقهم لعلهم يحظون بسماع الحكمة من سلوك النمل.
يعود المهرج المتحكم في مجرى الحوار ، ويجيبهم بتهكم وفي قالب فكاهي: النمل ملي كيحس بالشتاء كيخاف على حبات القمح تنبت، داكشي علاش كيقشر الحبة وكيقسما ويخزنها. 
جواب كفيل بإغراق الجمهور في الضحك من جديد مقتنعين بحكمة النمل،  وبذكاء المهرج.

على هامش الحلقة يبتسم شيخ يعتمر كوفية بيضاء، وهو يتابع قفشات المهرج، قبل أن يتوجه بالحديث إلى رفيقه قائلا:  حدث أن كان هذا المهرج الذي أمامك راعياً للغنم عند والدي رحمه الله، خلال ستنيات القرن الماضي، وهو لازال صبياً غراً  وكان والدي متعوداً على إرتياد الأسواق الأسبوعية القريبة منا، فكلما صاح الديك باكراً، كان  يتجهز للخروج باكراً على دابته.ومع مرور الوقت بدأ يجد نفسه في الأسواق باكراً قبل صلاة الفجر، فبدأ يتساءل عن سر هذا التغيير في ميقات صياح الديك الذي تعود على إيقاظه في الوقت المحدد، وعندما ألح على معرفة السبب، أخبرته والدتي بأن الصياح الذي يسمعه ليس صياح الديك، وإنما تقليد الراعي له.
اضطر والدي إلى إحضار الراعي_ المهرج ليسمع صياحه حتى يتسنى له التمييز بينه وبين الديك.
ابتسم رفيقه واتكأ على عكازه وغاص وسط المتحلقين حول المهرج.

عزالدين الزريويل/ المغرب

 

Reactions

تعليقات