القائمة الرئيسية

الصفحات


لمن تؤول الرقعة؟
جمعت كلّ الفرقاء فامتدّت إليك أيديهم تلوّنك وتجمّلك في أعيننا..لا بأس بها كفكرة و كحركة التفّ حولها النّاس و لا ضير من ذلك حتّى و إن اختلفت امداداتهم.. بعضهم رسم لك ورودا و أعطاك ألوانا تبهج منظرك و تسرّك وبعضهم صبّ جام غضبه من وحي عقده و أمراضه النّفسيّة فلوّنك بالسّواد ليظهر حقده على النّاس و حبّه الشّديد لطمس كلّ مشهد مبهج و رائق وهي أيضا يد الحقد و الكره امتدّت لتزرع الغضب و الفرقة بين النّاس حتّى يتسابقوا إلى التّناحر و التّباغض. بعضهم الآخر مدّ إليك أياد مرتعشة لا تقوى على رسم متناسق فتركت فراغات كئيبة شغلتها يد الحقد لتزرع ما ينفّر النّاس من بعضهم البعض، ومع ذلك هناك أياد امتدّت لترسم على أعطافك حدائق تجلب السّلم و التّحابب و مروجا يأوي إليها كل من رأى في الآخر مثيلا له حقيقا بمقاسمته العيش الكريم في كنف السّماحة و التّكافل و قبول الآخر... و بين تلك الأيادي برزت تلك الّتي شاركت كلّ الرّسامين في ما رسموا و أخذت من كلّ ألوانهم فاستعملتها فلم تظهر خلافا لا مع هذا و لا مع ذلك لكنّها استوعبتهم و استقطبتهم بما فعلت فسيطرت بذلك وكدنا نطمئنّ إلى أنّها يد تجمع و لا تفرّق بين بني البشر. في حين أنّها كانت أذرع هدم متربّصة وحقودة تقدّمت لتسحب البساط من تحت كلّ المتعايشين وتجعلهم بعد سقوطهم يركعون تحت أقدامها فتتسلّط عليهم بألوانها وأشكالها الّتي تمثلّها وحدها و لا تحوي شيئا ممّا خلنا أنّنا اشتركنا في انشائه و الّذي سعينا باذلين كلّ الجهد متطوّعين غير مرغمين إلى بلوغه. كان الوئام أملا لوضع مزيج لكلّ الألوان و الأشكال على صفحة درس واحدة فيفضي إلى تناسق و تشارك يمحو كلّ الفروق و يرسي قيما للجمال و الفنّ و العمار و...و... ويحمل بصمات مختلفة لكنّه يجمع بينها. كان الأمل أن يتصالح الفرقاء بعد أن يتواضعوا على معاني الحبّ والتّعاون والجمال ومعاني الألفة و دفع الظّلم و الكراهية نحو اللاّعودة. ما حصل في الاجتماع دحض كلّ الأحلام وضرب بها عرض الجدار المتهالك فتناثرت و ذهبت مع كلّ ريح لا تعود إلى حيث اجتمع النّاس، وبرز لون واحد و رأي واحد و شكل واحد فاستسلمت له أغلبيّة الأيادي و ارتفعت إلى الأعلى معلنة الانقياد و الطّاعة. لم يكن الفرق واضحا بين إمكانيّات كلّ يد وأخرى في وضع رسمها و لونها مع بقيّة الملوّنين و الرّسامين لكنّها خذلت بعضها البعض واصطفّت أياد مرتعشة مع أخرى كانت أكثر منها صلابة أو لنقل كانت أكثر منها إصرارا على أن تأخذ مكانا كانت تراه يليق بها على الرّقعة الّتي كانت من المفترض أن تكون قيد الشّراكة العادلة فلا فوز لأحد على الآخر و لا سيطرة في الزّمان و لا في المكان لأحد على البقيّة.. امتدّت لك كلّ الأيادي فاجتمعت قلوبنا ومشاعرنا وانتظرنا بداية العيش الكريم لكلّ البشر، لكنّ الخذلان والخيانة أعطى القوّة و السّيطرة للمخاتلين و الّذين خلفوا الوعود بمكانة ورخاء وهيبة فارتدّ ما حسبناه نعمة إلى نقمة وخسران وتفوّق البعض على بعض وركنت الأحلام في صدور الحالمين و نثر البعض الآخر مع الرّياح القادمة من شمال البحر و غرب المحيط. لكنّ الحياة مداولة، تعلّمنا ذلك من التّاريخ وعاش الإنسان كلّ الحيوات ليفيدنا بعد ذلك أنّ الاصرار على الحلم يحقّقه و" اليدةالمرتعشة لا تصنع التّاريخ" لذلك ظهرت من بين الأيادي يد تترصّد البقيّة و تصرّ على لونها و لم تعطه للمتفوّقين و لم تنطل عليها حيلهم ، فاستمرّت بخطى ثابتة ترسم الأمل و تنير الرّقعة بألوانها الزّاهية و تتحدّى بالرّغم من أنّها وحيدة..و بالرّغم من توسّطها السّواد والخذلان...
رشدي الخميري / جندوبة /تونس

Reactions

تعليقات