القائمة الرئيسية

الصفحات


اغتيال وردة
نهضت باكرا بعد ليلة أنفقتها في مراجعة الدروس رفقة اترابي بالمبيت الجامعي ابن سينا أو ما يعرف لدى الجميع بالحجرة المقلوبة ولم أفهم الى اليوم ما العلاقة بين الشيخ الرئيس ابن سينا والحجرة المقلوبة ...كنا نقيم بغرفة في الطابق الثالث نسيت رقمها ولكنها كانت عنوان الانس والدفء والسكينة والالفة رغم بعدنا عن الأهل ...أصبت طعاما خفيفا وأشعلت سيجارة عدلت بها أوتاري ولم أنس مهاتفة والدتي التي سمعت صوتها المغروس في أعماقي وهي تدعو الي بالنجاح وتوصيني بالتماسك والانتباه :" رب ينجحك بركة سيدي عبد السلام الأسمر بوحزام"...كانت كلماتها دورة دموية جديدة جعلتني استقبل صباحا استثنائيا سرعان ما لازمني فيه القلق والتساؤلات والحيرة فمواعيد الامتحانات مربكة مهما تظاهر الجميع بالتوازن ..سلكت الطريق نحو كلية الحقوق بسوسة مركز الا متحان وأنا أتملّى بعض الشواهد والأفكار الموجزة وأضانك مراجعتها و أختبر مدى رسوخها بذاكرتي البعيدة ...وصلت الى الكلية وبحثت عن مدخل الطلبة الممتحنين لقد كنا ندرس بكلية الآداب البعيدة عن حي الرياض ونتردد على دار المعلمين ومبيت الحجرة المقلوبة لتناول الغداء والعشاء ونتابع محاضرات الادب والحضارة بمدرج كلية الطب فكيف لي أن أعرف مداخل كلية الحقوق و مسالكها ومقاعدها المخصصة للاختبار ...وأثناء تلك اللحظات الحرجة فاجأني صوت أنثوي غاية في الرقة والعذوبة والنعومة : "صباح النور شكري ..اشبيك ما ريتنيش ... " ..التفت فوجدتها طالبة محجبة باسمة كأنها الصبح وعيناها سبحان من سواهما وكفى ..
صافحتها وتعطلت لغة الكلام وأهدتني وردة حمراء متوهجة وبعض طعام وقالت لي :
" ماتجيكش على البال هذي ههههه .. الهوى غلاب ...نحبّك .." ..هي الطالبة التي لقيتها اثناء اجراءات الترسيم بعد نجاحي في الباكالوريا وتبادلنا حوارا قصيرا ..كانت تدرس بالسنة الثانية عربية ولم أعلم أن القدر ألّف بيننا رغم تلك الدقائق اللاهثة التي جمعتنا في بداية العام الدراسي ...نعم لقد عدت بعد الترسيم للدراسة فوجدتها في انتظاري ولم تفرق بيننا الا ساعات الدروس والعودة الى منزلها ...كنت شغوفا بخط يديها فلا تحلو لي المراجعة الا اذا تصفحت كراريسها فتزول صعوبات الفهم والتمثل
..نعم سيقتني الى كلية الحقوق وآزراتي وأسمعتني في صباح اسطوري كلمة " أحبك.." تزودت من صوتين ممطرين : صوت والدتي كرجع ناي بعيد وصوت الحب
الجامعي المجنون ..ترى مالذي جعلني أبوح بهذه التفاصيل ..لن أنسى اغتيال الوردة فبيل اجراء الامتحان ..اسأذنتها في الدخول الى الكلية فقد أزفت ساعة الأمتحان ...اتجهت صوب باب الطلبة فاستوقفني بوليس جامعي كعادته وطلب اليّ الاسنظهار ببطاقة الطالب ففعلت . وقبل أن بسمح لي بالدخول هجم على الوردة وانتزعها مني في وحشية وهو بسألني :" منين جتها هذي باش تخليها عندي " ورفسها بأنفه مرات فذوت بهجتها وتناثر بعضها ثم أعادها لي كأنه يعتذر ..عبرت الحدود وأنا أحمل بقايا وردة تحتضر لم بكتب لها النجاح لكنها تركت لي وصية ظلت كالوشم في ذاكرتي : قد تذهب الوردة ويبقى طيبها بكأن مولاي جلال الدين الرومي يخاطبني في حضرة الوداع :"الوداع لا يقع إلا لمن يعشق بعينيه أما ذاك الذي يحب بروحه وقلبه فلا ثمة انفصال أبدا" ..كانت ساعات الامتحان رحلة أخرى ممتعة متعبة صحوت منها بعد الكتابة والمحو والقراءة ومسابقة الوقت ...كانت كل الوقائع حلوها ومرها من عوامل الانشاء والمكاشفة فأحسست بغبطة الانتصار وتوقع نتيجة تنصفني وتمسح عن قلبيوأالتعب ...انقضى الوقت المخصص للامتحان فانبرى الاساتذة المراقبون يجمعون الأوراق مذكرين من خانه الوقت بالمغادرة ..سلمت ورقتي ويممت وجهي شطر المشرب الجامعي وهناك وجدت في انتظاري قهوة وبعض سجائر هزها الشوق الى سحب تتهادى في سماء حضرموت وفيروز كعادتها يتساب صوتها في الآذان نقيا طهورا " لا تسألوني من هو حبيبي... ياجارة الوادي..يا قدس يازهرة المدائن....." لم أكن وحدي في بهو المشرب الجامعي فقد ازدادت الجلسة تألقا واشراقا في حضرة سيدة الورد الفتاة التي جرفني حبها دون استئذان ولم نتساءل يوما لماذا ساقنا القدر الى لجج الهوى .. كان شعارنا دائما :" الحب ليس رواية شرقية بختامها يتزوج الابطال "
شكري السلطاني
متابعة : سهام بن حمودة
Reactions

تعليقات