القائمة الرئيسية

الصفحات



((عد إلى هواياتك ))
كتبت / دنيا علي الحسني - العراق


(الهوايات بأنواعها كافة مملة إلا بالنسبة لمن لهم الهواية نفسها )
ما أجمل أن تتخذ بادرة العودة ، فتمارس أمرا تحبه بعد فترة انقطاع ، هي خطوة أولى قد تستثقلها النفس، ولكن ما إن تتم حتى تتلوها خطوات أخرى متتابعة سلسلة ، اتخاذ قرار العودة قد يستغرق الشخص أعواما طوالا تكون فيها العودة فكرة لذيذة تداعب خياله كلما خنقته مشاغل الحياة ولكنه يؤجلها لأسباب منها التكاسل او خشية الفشل او ضيق الوقت بسبب سوء إدارته .
كثير من الناس يترك هواياته بعد أن تشغله الحياة بالعمل أو التجارة أو الزواج أو غيره ، إنك حينما تمارس أمرا تحبه تكون ( أنت ) لا تكون فلانا الأب ولا فلانا الزوج ، ولا فلانا الموظف بالهيئة الفلانية ، لست فلانا ابن العائلة الفلانية ، ولا فلانا ذا المستوى المادي ، تحرر من جميع القيود والمسميات لتكون أنت مستجيبا لصوتك الداخلي الجميل ، إنه الوقت الذي تكون فيه ممسكا بريشة ألوان ، وتفرغ في اللوحة بعضا من خلجات نفسك ، او مراقبا للعالم من وراء عدسة كاميرا ترصد جمالا لا ينتبه له الاخرون ، او ممسكا بصنارة صيد متأملا في الأفق على مد المحيط ترتقب صيدا مجهولا من عالم لا تراه فوق السطح او جالسا بين مقاعد ملعب لكرة القدم متفاعلا مع حركات اللاعبين ومحاطا بانفعلات المشجعين وصفارات الحكام ، او مبتكرا لطبخة ما تستثير حاسة التذوق لدى من معك ، وتثير إعجابهم بمهارتك ، او صانعا لسيارة عتيقة بتركيب قطع من سيارات الماضي لتبتكر تحفة فنية من مركبات الزمن الجميل هو ذلك الوقت الذي ندين به لأنفسنا الذي ننفصل فيه عن تحديات الواقع وتراكمات الماضي ، الذي ننسى فيه الأهل الذين تنكروا او الاصدقاء ، الذين ابتعدوا أو الاحبة الذين تغيروا .
يستهين الكثيرون بأهمية قضاء الوقت يمارس فيه الإنسان شيئا يحبه او يجيده ، سواء يهدف الترفيه أم لكسب مصرف دخل إضافي ، تتفائل همومنا حينما نشغل مساحات الخاطر بمهارات كتلك لا يبدو الواقع بالسوء ذاته ، ولا العدو بالخبث ذاته ولا الشريك بالتقصير ذاته ، يطول بالنا أكثر في مواجهة تحديات تربية الابناء ومشاكل حياتنا ويتسع صدرنا أكثر لتحمل مضايقات زملاء العمل ، يكون الهم جزءا من حياتنا بدلا من أن تكون حياتنا جزءا من الهم .
كم من خيانة زوجية كان من الممكن تفاديها لو أن الزوج انشغل عن المراة الاخرى بصقل هواية ما ، وكم ضاقت ذات اليد بأناس كان يمكنهم أن يرتقوا بمستواهم المعيشي بكسب رزقهم من مهارة أوجد الله جذورها فيهم ، لكنهم ما رعوها حق رعايتها ، بل دفنوها في دواخلهم حتى كادت تختفي ، بل كم من أمراض نفسية كان يمكن ان يتفاداها الشخص لو أنه أشغل باله باهتمام صحي في إنجاز أمر يحبه فتتحقق له ثقته بنفسه واحساسه بكفاءته ! وكم من زوجة إختارت الطلاق لا لشيء سوى أن مشاكل الحياة الزوجية كانت في عينيها اكبر من حجمها الطبيعي لأنها لم تتمكن من التفكير بعقلانية إذ لم تخرج نفسها من الجو العام بممارسة أمر تحبه يبعث في داخلها الأمل بالتغيير ! هذه دعوة لنفض الغبار عن ذواتنا ، للعودة لأمر كان ، لعل الزمن الذي قضيناه بعيدا عن انفسنا قد صقل بعضا من أرواحنا لنعود لممارسة تلك المهارة بحكمة أكبر وصبر أجمل حتى نسترجع تلك القدرة الجميلة بعد طول انقطاع وفي كثير من الحالات كانت العودة اجمل ، كحال المرأة ، التي كانت تهوى الطبخ ، ثم انشغلت عنه أعواما لتعود بعدها بإشراق أكبر ، فتفتتح مطعمها الخاص ، وتمارس المهنة إحترافا العودة أجمل لان حافزها اعمق ، أتت من باب الضرورة ، ولم تأتِ ترفيها فحسب أتت ك (( استراتيجية )) للبقاء ، للمحافظة على الصحة النفسية للشخص ، حتى يظل متزنا في مواجهة أمواج الحياة المتلاطمة ، ما اجمل العودة ! وهنيئا للعائدين .
((إن كنت تشتاق لنفسك القديمة فعد الى هواياتك ))






Reactions

تعليقات