القائمة الرئيسية

الصفحات

بين الشعر والحب درويش الحاضر-الغائب قراءة في نص ( مقتطف من شكوى ضدّ درويش) للشاعرة: زخات الهذيان - محمد صالح محمد


بين الشعر والحب
درويش الحاضر-الغائب
قراءة في نص
( مقتطف من شكوى ضدّ درويش)
للشاعرة: زخات الهذيان
بقلم: محمد صالح محمد
النص:
---------------
 ... مقتطف من شكوى ضدّ درويش ....
...................................................
... سال القاضي :
" ما هي شكواك ؟.. "
قالت :
" يا سيّدي القاضي .... يا سيّدي القاضي ! .....
لقد علّقت تميمة من بلّور الصين ... لطرد الشّياطين ! ....
وقالوا لي انّها تطرد ايضا الهائمين في كلّ واد ! ....
والمتلبّسين باكوان الماء والطّين !!! .......
فلم اشف !!! ....................
ودرويشي المقاتل لم يزل ينبض فينا ! .......
لم يزل يحتلّ ماء ماقينا .............
يتسربل في ارواحنا كما التفّاحة لنبيّ ! .......
ولا يبرح الاكوان ! ....................
انّه في كلّ مكان ! .....................
ليقطف ما طاب من اخوات ريتّا ! .....
وجديداتها ! ..... وحفيداتها ! ..........
.....................................................
علت الدّهشة وجوه الحاضرين
وجال صمت رهيب في القاعة
فاردفت :
" اوتعرف سيّدي اسفار الوصايا ؟ !!! .....
ردّ القاضي :
" هي مبثوثة في الكتب المقدّسة والخفايا ! ....
الاّ سفرا واحدا منها قد هرب !!! .............
....................................................
قالت بامتعاض .. ومالت :
" لا اقصد وصايا الكتب ...........
بل اقصد وصايا درويشي المقاتل لريتّاه ! .... "
.....................................................
قال بحزم :
" ما هذا الهذيان !!! ....................
فلترفع الجلسة الان ! ....................
.................................................................
 زخّات الهذيان ... تهذي على مسرح درويش ! ....... 
---------------
القراءة:
بدءا أحدد أني سأتناول النص من ناحيتين.. مع تداخلهما. وهما:
-فنية/ تشكيل المعنى في النص.
-فنية/ تشكيل المبنى في النص.
*
أولا:
فينة المعنى في النص.
عبّر النص عن ابتداع وافتراض مسرح خيالي.. تنميه الشاعرة إلى (مسرح درويش !). تصطنع الشاعرة نصها به معتمدة على محاور نصية فنية تتضافر تتصل بالبناء وبالمعنى..منها/ وأهمها:
١- أسلوب الحوار/ المسرح:
فالنص يأخذ إطار وروح مشهد حوار خيالي ناهض..ومباغت وموحٍ ومثيرٍ . له إشعاعاته بناءً ومضمونا وتمثلا .وهو يصلح أن يبلور ليكون مشهدا تمثيليا مسرحيا -ولو خاطفا- سواء في بعده الحواري وفي صياغته وقضيته ولكن بالطبع وفق أدوات التمثيل والتوظيف المسرحي.
*
٢-التناص.
درويش الغائب الحاضر:
إن النص يستثمر قصة الشاعر ومعشوقته ريتا ويوظفها ببعد شعري خاص وبأبعاد إنسانية.
وبذلك فهو نص ..يحمل تناصه الشعري- كسيرة درويشية شعرية .. ويدغم مشهد التلقي الشاعري.. لحضور- وغياب محمود درويش كشاعر مؤثر له دور محوري في نفس وتجربة الشاعرة ..
وهكذا ..
إن لعلاقة درويش بمعشوقته ريتا انعكاسا وامتدادا يتحرك كل منهما في هذا النص وبشكل خيالي تتقلب فيه شخصية دوريش كتجربة شعرية وكتجربة إنسانية متداخلة وشائكة وملغّمة تحمل تجاذباتها وتناقضاتها ..التي تطفو على هذا النص وتتجلى فيه على هيئة شكوى غريبة وتساؤل يقفز في بعده الشعري- الإنساني لأبعد مجال ويتعمق في قضية الحب الشائكة التي يبرز فيها درويش كطرف له الدور الفاعل.
هي شكوى مبطنة ينوب فيها صوت الشاعرة الأنثى عن ريتا المحبة مخترقا شخصيتها بل ومتماهيا وممتدا ومتجاوزا عنها بفعل الحب والتعلق والانجذاب إلى كل قلب أنثوي ما زال وسيظل يحب الحب المستحيل والعلاقة التي ستخفق أو تتعسر في ظل التناقضات ونقاط الاختلاف الواقعي.
وهنا ترتفع القضية إلى تساؤل على أفق إنساني مفتوح وحاضر ( تمثله الإناث المحبات المتولهات بوجه الحبيب وشخصية الحبيب، وهن مثيلات وحفيدات ريتا). إنه شكوى على كل حبيب ومعشوق يرفض الحب وينبذه مع معشوقته خاضعا للظروف والمبررات. وهذه الشكوى لا تعترف في ظل شغفها وافتتانها بأي ظرف مانع كان. وكأن الحب ضرورة حياتية وقيمة تتجاوز كل الحدود والحواجز مهما كانت الوقائع الخارجية المانعة والضاغطة والرافضة لهذا الحب.
فها هنا شكوى رمزية تدين محمود درويش الشاعر الذي واجه حبه لريتا وقاومه. وكأن النص بشكواه يمثل دفعًا من صوت شعري حاضر لصوت شعري سابق يلتف به ويحرضه على الاستسلام للحب والوفاء به والمحاربة من أجله.. لأنه حب حي قوي يتعرض له المحب والحبيب في شخصية محمود الرمزية- سيرة في ماضيه ومستقبله.
وهنا ينكشف حوار الشكوى- المرافعة عن مدى العمق والحضور للشاعر درويش كصوت شعري ووجه شعري، ويبوح بمدى تعلق الذات المؤلفة للنص كشاعرة بذات محمود كذات شاعرة.
إن سيرة وشعر وصوت محمود ما زالت تفتن وتغوي وتتحرك شعريا في ذوات الآخرين وفي تجاربهم الشعرية ومواقفهم الفنية بل الحياتية .
هنا نفهم الشكوي بمستوى أعمق وأدق. إنه الافتتان بالشاعر وبالحب معا.
إن الحب.. هنا حياة ماضية وحاضرة وممتدة في نفس الوقت حيث يمكن للإنسان أن يبتلى بها فلا يتهرب منها.
*
توظيف نزعة الخرافة:
(لقد علّقت تميمة من بلّور الصين ... لطرد الشّياطين ! ....
وقالوا لي انّها تطرد ايضا الهائمين في كلّ واد ! ....
والمتلبّسين باكوان الماء والطّين !!! .......)
تشيع في النص وفي وحدات بنائة لغة ومضمونا روح الخرافة والتهويل بمفاتيحها التي تتوهج كسحر محبّب موقّع في النص، إنها خرف كفعل الطلاسم والتمائم التي يلجأ لها البعض لأغراض منتشرة. إنه دفع عن المس ووحصن به يتحرّز الإنسان عما يحذر ويخاف.
إن الخرافة كأسلوب قد رفعت من الأداء النصي ومن جمال تشكليه وأكسبته دهشة ورونقا وقوة معنى...مما خلق متعة وتفاعلا خلاقا مستفزا عند التلقي لما تضمنته من استدراج عاطفي وتهويل مشوش غامض ومقصود يدفع النص أماما.
-وبتوظيف هذه الخرافة وتوليتها هيمنة على النص وثنايا الحوار.. فقد ارتفع حضور درويش وسطوة شخصيته الشاعرية إلى مستوى عميق وتام ومتجذر حيث أصبح حضوره وقصته يمثلان أيقونة خرافية أو واقعا متجسدا يتناول قضية الحب شعريا وغرضا ولا يمكن التحرز من ذلك. إنه وهج الشعر ووهج الحب معا. إنهما سحران قد خلدا في حكاية درويش الشعرية والحياتية.
(فلم اشف !!! ....................
ودرويشي المقاتل لم يزل ينبض فينا ! .......
لم يزل يحتلّ ماء ماقينا .............
يتسربل في ارواحنا كما التفّاحة لنبيّ ! .......
ولا يبرح الاكوان ! ....................
انّه في كلّ مكان ! .....................
ليقطف ما طاب من اخوات ريتّا ! .....
وجديداتها ! ..... وحفيداتها ! ..........
.....................................................)
إن الافتتان بمحمود درويش كوجه شاعري جميل قد وصل إلى هذا المنحى البالغ عمقا وإثارة واستفزازا..
ولا حظ ذاك التداعي في الجمل المتتابعة في عجلة وقصر وتكثيف، جملة بعد جملة، صورة مؤكدة بعد صورة مؤكدة. إنها مبررات شكوى انفعالية محتدمة.
وكل صورة ترسم حضورا طاغيا لدرويش، بل يمكن القول تحت ظل هذا بأنه قد أصبح خرافة لوحده، أسطورة وجدانية شعرية.. ستطول..
إن حضور درويش في النص ليس حضورا عاديا. والسبب:
1- لقد استحوذ على عناصر الوجود والحياة الضرورية والجوهرية.
(ماء ماقينا- ارواحنا- التفّاحة لنبيّ – الاكوان- كلّ مكان ! .....................
كما أنه استمر ذلك المحبوب والعشيق الذي لا تغيب صورته الزمنية لا في قلب ريتا ولا في حياة وخيال (من اخوات ريتّا ! .....- وجديداتها ! ..... وحفيداتها )
والتعبير الفني يكسبه شيئا من المكانة العالية النموذجية وكأنه ليس بشرا عاديا بل هو نفحة ربانية (التفّاحة لنبيّ) مما يكرس له درجات الرفعة ولعظمة والتجدد الحياتي والشعري.
2- لا حظ طبيعة الأفعال فهي في صيغتها الزمانية تعكس هذا الحضور وتمده بالسيطرة الامة على الحاضر والمستقبل. إن صورة النفي تحمل دلالة الإثبات وعمقه.
(لم يزل- ينبض فينا ! .......
لم يزل- يحتلّ -يتسربل- لا يبرح -
ليقطف ما طاب من اخوات ريتّا ! .....
وجاءت الفعل (ليقطف) طافحة بدلالة حركية تشير إلى حالة القدرة على تناول الأشياء وامتلاكها كالتفاحة مما يعكس حالة الاستمتاع والتملك من جهة درويش، وحالة الاستسلام والانصياع للحب من جهة الإناث العاشقات.
3- تؤكد الجمل الاسمية على هذا الحضور لدرويش.
(ودرويشي المقاتل لم يزل ينبض فينا ! .......) و (انّه في كلّ مكان ! .....................) كما تتألق صفة (المقاتل) في مدح لدرويش الشاعر المناضل، ولكنه هنا تتحول الصفة إلى صلابة حضوره وأنه مستول تماما على هؤلاء الإناث لأنه يقاتل الموت والغياب والنسيان. إنها ىصفة ذات مدلولين مزدوجين.
إن فتنة درويش والافتتان به قد انعكست في جمال وعذوبة في هذا المقطع في المعنى وفي المبنى لا سيما في الجملتين (ودرويشي المقاتل لم يزل ينبض فينا ! .......) و(لم يزل يحتلّ ماء ماقينا .............) هنا نغم يخلق تكرار (لم يزل) ولذة تكرار (ينا) في نهاية الجملتين ( فينا مآقينا) إنه اقتتان انعكس على اللفة فزّنها ووهب لها العذوبة وخلق الأنس والنغمة السعيدة المغالية المفتونة. وهذا يتناسب مع المعنى في (درويشي) إن ياء التملك تصدر عن حب وافتخار واستسلام لحضور وحب درويش.
وهكذا نؤكد:
إن الاعتماد على الخرافة هو ما ضمن جمال الأداء والبناء في النص لأنه خلق جوّا منعشا وبعيدا في الإيحاء يلتذ له الوجدان ويستهوي الخيال ويمهد بصورة خلاقة ومبتكرة للحضور الطاغي والنافذ القديم- الجديد لشخصية هذا الشاعر الكبير إذ يتحول حضوره وحبه وشخصيته الفاتنة المحبوبة -من عشاقه ومريديه- إلى شخصية مغلفة بخرافة دائمة، وضبابية متقنة، ومرجعية آسرة ملهمة، كما يرتفع الحب معه إلى هذا المستوى الخرافي المسيطر المتجدد والخالد.
إن الخرافة هي الخلفية التي أكسبت النص زخما وبلورة وعمقا وشكلته ووهبته الروح والجسد ومتعة التلقي والإقناع وفتحت له المجال الواسع ليمتد ويتجذر.
بل إن هذه النزعة الخرافة امتدت أيضا في النص وختمته:
(فاردفت :
" اوتعرف سيّدي اسفار الوصايا ؟ !!! .....
ردّ القاضي :
" هي مبثوثة في الكتب المقدّسة والخفايا ! ....
الاّ سفرا واحدا منها قد هرب !!! .............
....................................................
قالت بامتعاض .. ومالت :
" لا اقصد وصايا الكتب ...........
بل اقصد وصايا درويشي المقاتل لريتّاه ! .... "
.....................................................)
إن هذه الخاتمة تتلائم مع البداية في النزوع إلى الروح الخرافية.. إن الوصايا تتحول في قيمتها وأهدافها وشكلها إلى وصايا تدين محمود، حين تلزمه بمواجهة حبه لريتا، ووجوب محاربته وقتله.
إن درويش يتحول إلى مقاتل من نوع آخر، نوع ينزع الرحمة من قلبه، ومبررات الوجود، وجمال الوهج الشعري والإنساني فيه.
وإن رفع الجلسة، يعني الحكم بفشل القضية ورفضها، وأنها خاطئة ناقصة..خاسرة وغير جديرة بالمناقشة ولا تصلح للمرافعة.
(قال بحزم :
" ما هذا الهذيان !!! ....................
فلترفع الجلسة الان ! ....................
.................................................................)
فهل اكتفت الشاعرة واقتنعت أو أذعنت؟
لعل وعسى، لكن العنوان (مقتطف من شكوى ضدّ درويش..) يضمر احتمالا آخر، أو على الأقل لا يشي بكل جوانب القضية أو يستقصي حيثيات المرافعة كما يشير إلى أنها قد ظلت وستظل عالقة وأن هناك ما قد أضمر وما قد يمتد.
إن الجلسة قد رفعت. وصوت الشاعرة قد صودر. ولكن يبقى : الافتتان الشعري بحضور درويش وسطوته، وتبقى قضية الحب شائكة، وتبقى الذات الإنسانية- الأنثى تبحث عن الحب الأيقونة وتتمسك به وتدافع عنه ما ..أمكن.
*
*
*
ثانيا:
فنية المبنى في النص.
التشكيل اللغوي- ومسرح اللغة:
من خلال تضامن وتفاعل الفكرة واللغة الموظفة تم بناء مسرح يقوم على الحوار التمثيلي- وعلى بناء منصة شعرية أو محكمة تتبنى الموقف الشعري، الذي جاء على صوت شكوى ومرافعة.
وإن القدرة الفنية بلغت بنا النجاح وفي التأثير أنها أوحت لنا وأشعرتنا أننا قد تواجدنا في مسرح درويش الخيالي وسمعنا مقتطفا من الشكوى.. لقد كنا حضورا متفاعلين مراقبين.
وهذا يحسب فنيا للنص ويدلل على نضوج الأدوات التشكيلية..التي أشهد أنها قد اختلفت عن النصوص السابقة بحسب ما يتطلبه النص من نوعية هذه الأدوات ومن طريقة توظيفها ومنها:
الجو السردي:
وهي تقنية تتكئ عليها الشاعرة بشكل مباشر في نصوصها وتستغلها في توصيل الفكرة وخلق مناخ وبيئة النص وفي شحن الصور. وتنطلق منها في تدرج ورسم يستوعب النص حتى يختمه بتدرج الحكي.
وببساطة يمكن أن نلحظ هذه السردية في مفردات الحوار:
(... سال القاضي. قالت. فأردفت . قال)
إنها أفعال تمثل بدا الحوار وتداخل الأصوات وتتابع المرافعة- الشكوىز هي تخلق المشهد وتشد المتلقي للمتابعة والتفاعل، لكن ما يلحقها ويلازمها من جمل وصف وحال هي ما يمنها من تأدية دورها كأحداث محركة وموحية.
نقرأ مثلا:
(قالت بامتعاض - قال بحزم )
إن جمل السرد قد صيغت بحذر فني وحرص ناضج مما خلق حركة واضحة تضفي الحيوية وتستثير المتلقيزز وتفتح قنوات للإيحاء وتتابع التشكيل والبناء.
نقرأ:
(علت الدّهشة وجوه الحاضرين .وجال صمت رهيب في القاعة. ومالت)
هي صور بصرية حركية فعلت ما فعلت. هي رسم مسرحي تمثيلي للوجوه ، للمناخ النصي، لحركة الأجساد وهكذا.
طبيعة الأساليب الإنشائية:
تنوعت الأساليب. كل أسلوب له قيمته ودلالته الإيحائية.
مثلا:
النداء:
هو أسلوب يعكس الجو المسرحي، حيث رفع الصوت، وتوجبيه الخطاب وشق صمت النص. بداية انطلاق وتنبيه وتحشيد. وإن تكرار النداء (يا سيّدي القاضي .... يا سيّدي القاضي ! .....) ضاعف من كل ذلك، ووهب النص حركة مسرحية مضاعفة ومؤثرة كما وهبه تلوينا صوتيا فالنداء الثاني يختلف في إيحائه ودلالته وقوته أو عميقه عن النداء الأول يمثل شدا للمتلقي وإيغالا في الإيحاء. وهو يتناسب كفعل مسرحي وكوحدة مسرحية تتفاعل وتتضافر مع بقية الوحدات المسرحية.
بل تتباين كلمة (سيدي) وهي أسلوب نداء بحسب موضعها كما في:
(اوتعرف سيّدي اسفار الوصايا ؟ !!! .....)
إن النداء حينما اقترن بأسلوب السؤال تغير تأثيره وتضاعف واختلفت النبرة فيه، لذا فقد انحذفت ياء النداء مما يوحي بنبرة إثارة وتهويل مقصودة وربما صاحبها قرب جسدي وإخفات
صوتي يقرب للهمس وكأنه يدغدغ العاطفة في القاضي ويحرّضه ويسحنه استعداد للتقبل والتجاوب. لذلك لاحقا جاءت الحركات المسرحية الثانية:
(فاردفت :..)
والثالثة:
(ومالت)
وكأنها في حركتها المسرحية لغت المسافات لتزيد من حضورها الجسدي القريب ومن وجهها مع نبرة تتلون بإيحاءات الخطورة وبث السر مما يخلق تشويشا وتأثيرا على القاضي في مجال رؤيته ويؤثر على قراره النفسي ومما خلقت الذات- الممثلة المرافعة والشاكية من جو سعت للسيطرة فيه على القاضي فالحاضرين في القاعة (وجمهور المسرح) صوتا، نداء، حركة، وجعلته في دائرتها الضيقة في مجالات الرؤية والسمع والحركة ..
إنه نسج نصي محكم.
ولن أطيل سواء في قراءة تأثير الأساليب الأخرى.. فقط سأشير لها.
أسلوب النفي.
(فلم اشف !!! ....................- ودرويشي المقاتل لم يزل ينبض فينا ! .......- لم يزل يحتلّ ماء ماقينا .............)
و( ولا يبرح الاكوان ! ....................) و(لا اقصد وصايا الكتب ...........)
ظواهر تشكيلية:
إن الوقفات السطرية امتلأت بظاهرة السجع/ الجناس مما خلق جوا تتلاءم فيه اتحادا لخلق جو تألفه أذن المتلقي، ويشحن النص- فالمسرح التمثيلي بنغمات متقاربة تزيم من استماعه وانشداده للحوار.
نقرأ مثلا:
(لقد علّقت تميمة من بلّور الصين ... لطرد الشّياطين ! ....) وقفتان تتحدان في قفلة واحدة.. ثم ما يلبت إلا أن تتكرر الياء والنون (ين) في جملة لاحقة (والمتلبّسين بأكوان الماء والطّين !!!.......) إن التكرار القريب والمحتشد:
(الصين – الشّياطين- المتلبّسين – والطّين) وينبث أكثر من ذلك في جسد النص (الهائمين) (الحاضرين)
ومنها – وفي ذات التأثير والوظيفة والتشكل البنائي اللفظي (....ان):
(ولا يبرح الاكوان ! ....................
انّه في كلّ مكان ! .....................
و
(ما هذا الهذيان !!! ....................
فلترفع الجلسة الان ! ....................)
إنها وقفات مع حليتها اللفظية تؤدي دورها الصوتي بكل جمالية ممكنة.
*
وفي المجال البصري، يمكن ملاحظة أن النص قد ازدحم بزحف التنقيط وعلامات التعجب بصورة يمكن التخفف منها، ليتم توظيفها بشكل أكبر تأثيرا في مجال التشكيل البصري لتحمل دلالة الامتداد والاختزال ثم التلقي.
----------
متابعة : سهام بن حمودة
Reactions

تعليقات