القائمة الرئيسية

الصفحات


 السُّونسْ انترْدِي" 19
بارك الحاج خلف الله الفكرة وأعجب بالذبيحة . وبعد الإتفاق على ثمنها ، جذب حزمة أوراق من حافظة نقود جلدية بنية اللون ، مطرزة بخيط حريري اضمحلّ لونه ومدّها الى "الطيب " فعدّها ورقة ورقة مؤكدا أنها عشرة من فئة الخمسة دنانير على أن يبقى الباقي الى اليوم المعلوم وتمني الحاج خلف مردّدا "إن شاء الله قبل " ثم قدّم ورقة ذات الدّينار الواحد قائلا :"هاذي خارج الحساب باش النّهار اللي نبعثلك ونقلك تجيبها جيبها والا ابعثها لي
اما إتلها بيها حتى لنهار الزّردة وتوّه نعمل معاك المليح "
وبينما هما يتحادثان اذ بالمكّاس يطالب بأداء المعلوم الموظف على البيع . دفعه الحاج خلف الله على مضض وتوجّه الجماعة بالقرب من" قيطون" اولاد الطاهر" حيت تنبعث رائحة الفلفل " البقلوطي" المقلي .
خيّر الحاج محمود الجماعة بين شرب القهوة "عنذ ولد زعرة " أو شرب كأس من العصير المنعش البارد وتناول برج من البسكويت الهش اللذيذ عند "بوجمة "بياع البارد كما يحلو لأهل السّوق تسميته في حين ترك الطيب "الارخة "عند أحد معارفه الى حين عودته .
ورث "بوجمعة" مهنته عن والده . فهو مختصّ في تحضير مشروب اللّيمون. فكنت تراه منذ الفجر يغسل حبّات الّليمون و يشرّحها ثم يضعها على النّار في قدر سعته المائة لتر تقريبا . وحين تستوي يقوم صبيّهُ العامل العرضي بمناسبة يوم السوق فقط ، بفرمها في رحى معدنية فضية اللون من الحجم الكبير. يحرص "بوجمعة" على تثبيتها بنفسه على حافة طاولته الخشبية . ويضع أمامها قصعة كبيرة ويشرع الصبيّ في تلقيمها قطع الليمون المطبوخ مع ملازمه تدوير عتلة الرّحي والانتباه الشديد لأصابعه التي تدفع بقطع الليمون الطرية قطعة تلوى الأخرى فتلتهمها الآلة وتحولها الى كومة من العجين الخام فيسرع بوجمعة الى قطعة قماش خاصىة فيجعلها مصفاة و يحملها العجين الدافيء ويشرع في عصره الى أن ينزل منها اللّيمون الخام أصفرا فاقعا ولا تبقى إلا القشارة فيعمد الى تعديل المشروب وتحليته بالسّكر وبعض المنكهات ثم يعمد الى تبريده بقوالب الثّلج ويصب منه في برطمان بلوري مزود بحنفية نحاسة مشدود بعجينة اسمنتية بيضاء تشوه جمال البرطمان لكنها ضرورية كي لا يتسرّب العصير
وفي خفة متناهية يأخذ" بوجمعة "طبق البسكويت فيقطعه إلى قطع مستطيلة متساوية . يطلق عليها اسم "برج ". يقوم بترصيفها إلى جانب مجموعة من الكؤوس البلورية في شكل هندسي بديع لا يقل روعة عن رشفة من "كأس البارد" أما عن لذة قطعة " البرج" فلا تسأل .
دفع الحاج محمود ثمن المشروبات وقفل راجعا الي دكانه بعد أن أوصي "علقمه " شريكة "كان لقيت بركوسه باهية خوذها لنا حسابية "
أما الحاج خلف الله فقد توجه لشراء "طاجين" كانت زوجته توصي وتؤكد على شراء "غناي" أو"طاجين " على أن يكون خفيف الو زن متوسط الحجم لا صغيرا ولا كبيرا . فراح يختار "طاجينا" من بين كومة "الطواجين" و"الكوانين" والقدور الطينية المطلية باللون الأحمر الآجوري .
أما "الطيب العياري" و"علقمه "فعادا من جديد الى السّوق . ذاك الى "الأرخة " ليعود بها إلى محل سكناه "بفج غراب " غربي المدينة . وذاك يبحث بين الأغنام علّه يظفر "ببركوسة " سمينة مناسب ثمنها .
بينما بقي حمدان يترشّف كأس اللّيمون البارد لعلّه يبرّد نيران الفجيعة التي حلّت به هذا الفجر. وتذكر أن اليوم كان منحوسا من صباحه " فمسعود الكرارطي" رجل منحوس فما بالك بحماره ... ثم استعاذ من الشّيطان ونهض من مكانه و حمد الله على كل حال...
وخامرته الأفكار وأخذته الظنون ...أيكون ""سيدى بن زكري" قد تخلى عنه ،كيف لا يقف بجانبه ويترك اللّص يأخذ الصرّة بما حوت ...
أيكون عقابا له على ما فعله بالحمار هذا الصباح؟ ، كانت الضربات بالعصا ، موجعة مسكين الحمار ... من غير شك كان يظنّه "رهبانا" ...ألا يكون "رهبانا" حقيقيا فرط فيه ؟ وأن حسونه هو .... أيكون حسونة "المانع"؟.. فلكل كنز"مانع " ... نعم للكنوز موانع تحرسها .... فهل "للرهبان" كذلك؟
لا ... لا .... ليس "رهبانا" ذاك هو حمار مسعود....والطفل بائع الماء هل كان صادقا؟ والرّجل الذي كان يرشه بالماء هو اللص لا؟ ....لا لا شيء لا يصدق
أمسك حمدان برأسه بكلتا كفيه ، تكاد دماغه تنفجر ورأسه حين تتصدّع لا ينفع معها شي .
تذكر أنه يحمل معه شفرة حلاقة " موس لام " أدخل يده في جيبه وأخرج حزمه أوراق مطوية يسميها" الزّمام" بحث بين طيّات الأورق فوجد الشّفرة مازالت جديدة وهي جيد النّوع "ماركة تمساح".
ألتفت الى" بوجمعة " وناداه: "يا بوجمعه فارصني مش نموت "وناوله شفرة الحلاقة
يتبع

نصر العماري
Reactions

تعليقات