القائمة الرئيسية

الصفحات

مشهد من الواقع "عرض لم يكتمل" - راضية بصيلة

 

مشهد من الواقع
عرض لم يكتمل
==========
متى تبتدئ المسرحية؟
أتأخّر العرض؟
.
.
جلستُ أنتظر أن تنطق الخشبة، فإذا بصوت جانبي يخترق الصمت:
– تأخذي لوبانة؟ خوذي بركة، تقصّري بيها الوقت.
التفتُّ، فإذا بها امرأة كما الانتظار نفسه فارعةٌ؛ حقيبتها الصغيرة مفتوحة بجرحها القديم، وعيناها تتجوّلان في المكان باحثةً عن شيء ضائع بين الضياء والظلال. فتحت قارورة الماء، شربت جرعة، ثم أعادت الغوص في الحقيبة كمن ينقّب عن ذكرى مفقودة.
– هاهي، هاني لقيتها… لقشة المراية. هاك، توخذي شوية حمير… خوذي ماتحشميش ، اش عندك فيهم؟
ابتسمتُ وقلت: شكرًا.
جالت بعينيها بين الوجوه، ثم تمتمت:
– اللطف… اش بيها العباد؟ وجوهها مغبّرة، خوذي شوية…
ضحكتُ، وسألتها: شنو اسمك؟
قالت وهي تشيح بيدها:
– يا بنتي، اش تعملي باسمي؟ هه… ها قد فتح الباب… هيا ندخلو.
دخلنا، وجلسنا جنبًا إلى جنب. بدأ العرض.
على الخشبة، امرأة تصرخ في العتمة، وصوتها يعلو يجرّ وراءه حياة كاملة.
مالت جارتي نحوي وقالت بنبرة استغراب ساخر:
– اش بيها المرا تعيط؟ اللطف… وين يجيبو مرا يحطّوها تعيط بالله علاش؟
لم أجبها، لكنها واصلت، كأنها هي الأخرى على خشبةٍ لا يراها أحد:
– تي بجاه ربّي، علاش تبكي هي؟ تي نايا مطرودة من الخدمة، وحالتي تكرب… جيت نوسّع في بالي، نلقى الهم قدّامي. أوه يا همّي… تبكي على راجل! يابنتي، اليوم جانا العرف، صفّفنا وقال: الخدمة قلت… وما عادش نجم نخلّصكم. نلقى روحي على برّا. أنا حب؟! بلاهي…
همستُ: اسكتي شوي، تبع المسرحية…
لكنها لم تكن تسمعني. فتحت بابًا آخر، بابًا من الداخل، وكأنها دخلت عالمًا لا يعرفه أحد، عالمًا من الهواجس والذكريات.
تململت وقالت:
– أنا بيدي مسرحية… وانت مازلت ماكش مروحة، خليتو الهمّ البرّا لقيتو يستنّى فيّا… هاني خارجة. وانت مازلت؟
نهضتْ، ومشت بخطى خفيفة نحو الباب. لم يلتفت إليها أحد.
الممثلة على الخشبة ما تزال تبكي، لكن صرير الباب حين أُغلق بدا أكثر صدقًا من كل الصراخ، أكثر صدقًا من كل الكلمات.
ربما خرجت تلك المرأة من العرض، لكنها أخذت معها حقيقته كلها.
وحدي… بقيت أصفّق كالباب لظلالٍ بالضوء لم تختفِ.
راضية بصيلة
Reactions

تعليقات