القائمة الرئيسية

الصفحات

الفنانة تمارا الأنباري: مشروعي الفني بلا سقف... أتركه مفتوحاً على احتمالات لا نهائية - دنيا صاحب

 


الفنانة تمارا الأنباري: مشروعي الفني بلا سقف... أتركه مفتوحاً على احتمالات لا نهائية

حوار : دنيا صاحب – العراق

أسّست تمارا الأنباري حضورها الفني بخطى مدروسة، منطلقة من قاعدة جمالية راسخة تمزج بين التكوين الأكاديمي والخبرة العملية. منذ سنواتها الأولى أبدت ميلًا واضحًا للرسم، حيث شكّلت البيئة الثقافية في مدينة بابل — بما تحمله من إرث حضاري وميثولوجي — النواة الأولى لوعيها البصري. هناك حيث تمتزج الرموز مع الأساطير، بدأت تمارا بتفكيك الشكل والمضمون، متأملةً دور الفن في التعبير عن القضايا الوجودية، وفي مقدّمتها المرأة بوصفها كيانًا إنسانياً وجمالياً في مجتمع عربي حضاري.

لم تتقيّد تمارا الأنباري بالانتماء إلى مدرسة فنية واحدة، تبنّت نهجاً حراً يقوم على التجريب وتعدّد الأساليب، ما منح أعمالها مرونة فكرية وتكويناً بصرياً متجددًا. ومع انتقالها إلى العمل المؤسساتي في مجال إدارة المعارض في الإمارات – أبو ظبي ودبي – تمكّنت من تحويل سدو آرت غاليري إلى منصة فنية تفاعلية تجمع بين الرؤية التشكيلية والوعي الثقافي، من خلال تنظيم معارض ذات بُعد دولي تسهم في تعزيز التبادل الثقافي ودعم الفنانين المبدعين وفقًا لخصوصية تجاربهم الفنية.

في هذا الحوار، نُقرب تجربة تمارا الأنباري بوصفها نموذجاً لفنانة عراقية استطاعت أن تحقق قصة نجاح عبر الموازنة بين الإنتاج الإبداعي والإدارة الثقافية، وأن تؤسّس موسوعة لفكر بصري معاصر منفتح على الآخر دون أن يتخلّى عن خصوصيته الرمزية الثقافية.


* بدايةً، كيف تُعرفين نفسكِ للجمهور؟ ومتى كانت المراحل الأولى في الرسم؟

 تمارا أنباري، فنانة تشكيلية و غاليرست وأعمل في مجال منصات الفنون التشكيلية مديرة لسدو آرت غاليري، أما المراحل الأولى في الرسم لقد كانت مبكرة جداً، وجدت في حينها دعما عائلياً كبيراً، وهو ما جعل رهان الفن يشكّل جزءاً أساسياً من شخصيتي في مراحل عمري اللاحقة وحتى الآن.

• ما هي الفلسفة التي تبنيتها في أعمالكِ الفنية؟ وهل تستلهمين من مدارس فنية معينة أم تفضلين أن يكون أسلوبكِ حرًا؟

• الفنان لا يجب أن تحتكره فكرة ما، عليه أن يبتكر أشياء جديدة كل يوم ليتمكن من مواكبة عصره، وبالنسبة للموضوعات التي أرسمها، فلقد كانت البداية من خلال استلهام الأبعاد التاريخية والميثولوجية في حضارة وادي الرافدين حيث كانت نشأتي في مدينة بابل التاريخية، وكنت قريبة من الأرض التي منحت العالم الفكر والمعرفة وبواكير الفن الأولى وتأثرت بالموروثات والأساطير وكنت أقضي ساعات طويلة من يومي في رسمها، ولقد انتبهت في مرحلة لاحقة ومع بداية مرحلة الشباب الى المرأة ودورها في مجتمعات مغلقة فصار هذا الموضوع يتكرر في عملي بسياقات وأشكال مختلفة.

• استطعتِ خلال فترة قصيرة فتح نوافذ واسعة لفنكِ ولأعمال فنانين آخرين على الساحتين العربية والعالمية. ما هي العوامل التي ساعدتكِ في تحقيق قصة نجاحك؟

• أعمل في هذا المجال منذ عدة سنوات، فلقد سبق لي أن قمت بالعمل في غاليري ومتحف للفنون الحديثة في العراق، وبعد انتقالي للإمارات عملت أيضاً في أحد الغاليريات في أبو ظبي ومنحتني هذه السنوات من العمل في مجال الفن خبرات وعلاقات واسعة مع الفنانين والمعنيين والمهتمين بالفن من جنسيات مختلفة محلية وعربية وعالمية، وهو الأمر الذي ساهم أن يجعلني أنتقل نقلة نوعية محملة بتجارب عميقة في فهم آلية العمل التشكيلي والحركة الفنية بشكل عام مما انعكس إيجابياً على عملي في إدارة سدو آرت غاليري وجعله ينفتح على الفنون البصرية المختلفة

• كيف تطورت تجربتكِ في مجال الفن إلى مشاركة فعالة خاصة في إدارة المعارض وتنظيم المشاركات الفنية الدولية في غاليري في أبوظبي ودبي ارت ؟

• أتيت إلى الإدارة من الفن ذاته فأنا في المقام الأول فنانة تشكيلية لديٌ خبرات وتجارب عدة وسبق لي أن أقمت معارض فردية ومشاركات جماعية في بلدان عديدة، وكان لهذا الأمر دور في تسهيل الكثير من المعوقات التي صادفتني أثناء العمل، خصوصاً وأن مشاركتي في أبو ظبي آرت هي الثالثة من نوعها، وأصبحت قادرة على التعامل مع كل التفاصيل التي تفرزها مثل هذه المشاركات الكبرى. وفيما يتعلّق بتنظيم المشاركات الدولية، فهذا رهان جمالي نمنحه في سدو آرت غاليري الأولوية، فالفن في عصر العولمة بشتى مدارسه وأساليبه وتياراته انفتح على بعضه ومثل هذه المشاركات تجعلنا قادرين على مواكبة فنانين يمثلون ثقافات مختلفة، وهو أمر إيجابي لتعميق الحوار الفني ودفعه إلى آفاق جديدة.

• ما المعايير التي تعتمدينها في اختيار الفنانين المشاركين في معارض الكاليري، خصوصاً في معرض ضخم مثل "أبو ظبي ودبي آرت؟

• القيمة الفنية للأعمال معيار

 لا يختلف بشأنه أحد، وهو أمر معمول به في كل مكان، ولكن من المعروف أن الغاليريات في الغالب تميل إلى تبني مدارس فنية دون سواها، فنجد غاليري يحتفي بتجارب المدرسة التعبيرية وآخر يحتفي بالتجريد أو البوب آرت أو الفن الواقعي. وبالنسبة لنا في سدو آرت غاليري ننظر إلى التجارب بمعزل عن التيارات، فقد نعرض عملاً تجريدياً وآخر تعبيراً في ذات الفضاء إذا استوفيا الشرط الجمالي بشكل كامل، فالفن دائرة تقود إلى بعضها، ودورنا هو التنبيه على هذه التجارب وأهميتها وكسب ثقة جمهور الغاليري ورواده.

وفي مشاركتنا القادمة ستكون هناك حوارات فنية بين مجموعة من الأساليب، من أجل تعميق الخطاب الجمالي وإثراء الساحة.

• هل كان للبيئة العراقية تأثير خاص في تشكيل رؤيتكِ الفنية والجمالية في الرسم ؟

• لا يمكن للفنان أن ينفصل عن بيئته فهي شبيهة بالرحم الأول الذي يشهد التكوين والنمو والعراق بلد له تقاليد غنية وعريقة في الرسم، ولا يكون اختراق المشهد التشكيلي ممكناً دون توفّر الفنان على أدوات وتقنيات بمستوى مرتفع فالساحة التشكيلية تزخر بفنانين ونقاد من أجيال مختلفة يرصدون التجارب الجديدة التي تمتلك القدرة على الإضافة الحقيقية للمشهد الفني، ولقد استطعت الإمساك بالفرصة التي اتتني بقوة وعرضت في أهم الغاليريات في العراق واجتهدت بصناعة اسمي بهدوء وصبر وثقة. فالساحة التشكيلية في العراق تعتبر مختبراً حقيقياً للأفكار وصراعاتها بسبب حركة النقد ووضع الفنانين بشكل مستمر تحت عدسة مكبرة لرصد تطور أدواتهم، وهذا ما ترك تأثيرات حاسمة في تشكيل رؤيتي الشخصية للفن وأصبحت بمرور الوقت رصيداً أفخر بامتلاكه.

• للسنة الرابعة على التوالي يعرض الفنان والموسيقار العالمي نصير شمة أعماله التشكيلية في معرض أبوظبي آرت برأيكِ ما الذي يميز أعماله ويجعلها تحظى بحضور مستمر وبارز في الساحة الفنية؟

• نصير شمة فنان مجتهد ويملك القدرة على معرفة المنطقة التي يحرث فيها إبداعه، وهو أمر ليس سهلاً أبدا، فبوسع المتلقي أن يدرك منذ الوهلة الأولى الهوية البصرية الواضحة لأعماله، كما أن نصير فنان ينسجم فيها بشكل اسطوري الموسيقار و الفنان معاً، فهو يملك رؤية واضحة كرّست خطابه الفني وجعلته يصل للآخرين بسلاسة وشغف كبيرين فخاماته وعجائنه تختلف عن الخامات والعجائن المستعملة عند غيره فهي مستمدة من ورشات صناعة العود في محترفه الموسيقي وهذا ما يجعل النقاد يميلون إلى إطلاق مصطلحات تواصل عبورها بين الموسيقى والرسم للتعبير عن هوية أعماله التشكيلية، ولعل أكثرها حضوراً هو مصطلح موسيقى اللون، أو الرسم بالموسيقى، ونتيجة لقدرته على الإمساك بمختبره البصري وتأسيسه منطقة خاصة به نجد المهتمين والمعنيين بالفنون التشكيلية يجعلون من أعماله رهاناً جمالياً ومرتكزاً مهماً في المحافل الكبرى مثل أبو ظبي آرت، ونحن في سدو آرت غاليري سعداء بالتعاون معه وإطلاق صيغة مشتركة للتعاون مستقبلاً.

• ما طموحاتكِ المقبلة فنانة تشكيلية ومديرة غاليري ارت خاصة مع التطور الفني والثقافي المتسارع الذي تشهده الإمارات العربية المتحدة؟

• لا أفكر كثيراً بما سيبلغه مشروعي الفني أو مشروعي في إدارة الغاليري وتنظيم الفعاليات الفنية، فهذه الأمور هي نوع من العمل والتفكير اليومي الذي لا ينبغي لي أن أحدّد سقفه، بل أجعله مفتوحاً ولا نهائياً لأتمكن في كل مرة من خلق أسئلة جديدة وانجازات مهمة.

فأنا مثلاً أفكر منذ الآن بالخطوات اللاحقة التي تعقب أبو ظبي آرت والتفكير جدياً توسيع المشاركة والانفتاح على دبي آرت والمساهمات الخارجية التي تكفل لهذا المشروع التواصل والامتداد والتطور والنظر الى آفاق جديدة.

وأنا كفنانة لا أريد الفصل بين تمارا الرسامة والإدارية فهي دائرة واحدة يعتمد حضورها وتواصلها على قوة التوازنات ونوعية القرارات التي أتخذها. وهنا يمكنني التأكيد أنني جزء جوهري من كل ما يحدث حولي وآخذ بنظر الاعتبار جميع التطورات التي تشهدها الساحة وأعمل وفقها بما يجعل مشروعي كفنانة ومديرة غاليري مستمراً وقائماً.














Reactions

تعليقات