📁 أخر المشاركات

كوثر الصحراوي: صوت يفتح بوابات الروح ويعيد رسم خريطة الإنسان - حاورها سعدون التميمي

 كوثر الصحراوي: صوت يفتح بوابات الروح ويعيد رسم خريطة الإنسان

في كل مرة تفتح فيها كوثر الصحراوي نافذة من نوافذ روحها، يدخل الضوء أولاً.
كاتبة وشاعرة تشبه طريقا يمتد نحو الداخل أكثر مما يمتد نحو الخارج، تحمل في كلماتها خرائط خفية لعوالم لا تُرى، وتكتب كما لو أنها تقود القارئ إلى منطقة سرية بين القلب والكون.
هي ليست مجرد صوت أدبي صاعد، بل تجربة تتشكل عند حدود الروح، وتمزج بين علم النفس الباطني والكتابة الشعرية في نبرة لا تشبه إلا نفسها.

في هذا الحوار، نرافق كوثر في رحلتها الأولى نحو الكتابة، ونقترب من طفولتها التي وُلدت فيها غرفتها الداخلية، ونستكشف معها رؤاها عن النور والوعي والذات.
هنا، تفتح كوثر أبوابها بلا تردد، وتكشف للقراء عن سر الكتابة التي أصبحت قدرا لا مجرد موهبة، وعن علاقتها بالعالم، وبنورها، وبمنبع المعرفة الذي يتدفق داخلها.

___________________________________



حوار مع الكاتبة والشاعرة التونسية كوثر الصحراوي

حاورها | سعدون التميمي

امتناني العميق لمجلة بويب الثقافية وشكري لها من أجل هذا الفضاء الذي حلقت فيه كلماتي.
كل الشكر لكل من سهر على هذا العمل الإبداعي الذي يلامس مزار الأدب ويمنح الكلمة مساحة ضوئية تطلق ذبذبات نورانية في عوالم الحرف.

○ حدّثينا عن البدايات… متى أدركتِ أن الكتابة ليست مجرد هواية عابرة بل قدرٌ يسكنك؟
كانت بداياتي منذ الطفولة فالوحدة والعزلة خلقتا في داخلي غرفة ألوذ بها بعيدا عن كل ضجيج خارجي.
هناك في تلك الغرفة شعرت بحريتي الأولى.
كل ما أستشعره داخلي كان يتجلى أمامي كصور تتمثل في كيان يشبهني وكأن لي عالما آخر أنتمي إليه خارج حدود الأرض.
هذا العالم كنت أعبر عنه من خلال كتاباتي.
أدركت أن الكتابة ليست هواية عابرة بل هي قدر تجلى منذ اللحظة الأولى التي نطق فيها قلمي بنفسي.
شعرت أن داخلي ذاتا لها علاقة برسالة معينة.

○ بمن تأثرتِ في سنواتك الأولى من الشعراء والكتاب؟ ومن هو أول صوت أدبي أشعل شرارة الكتابة داخلك؟
كتبت منذ طفولتي قبل أن أقرأ أي كتاب ولم أتأثر في البداية بأي كاتب لكن لاحقا ترك في أثرا عميقا كل من جلال الدين الرومي وشمس التبريزي و آدم فتحي ومايكل نيوتن والشاذلي الڨرواشي.
وجدت نفسي في كتاباتهم وكأننا نكتب من النور ذاته.

○ هل كانت الأسرة داعمة لميلك نحو الأدب، أم أن محيطك رأى في الكتابة مغامرة غير مأمونة؟
كانت أسرتي داعمة لي بشكل مباشر. أختي كذلك كانت تكتب الشعر لكن طبيعة عملها منعتها من مواصلة مسيرتها الأدبية.
أما محيطي منذ الطفولة فكان يعرف أنني أكتب وشاركت في سن صغيرة في أمسيات شعرية وغيرها.
بعضهم شجعني وآخرون لم يعيروا الأمر اهتماما لكن هذا لم يؤثر على يقيني بنوري الداخلي.

○ متى كتبتِ أول نص تشعرين أنه كان "نصكِ الحقيقي" الذي فتح لك باب الطريق؟
كتبت الكثير من النصوص عن عوالم الروح والنور وكنت أشعر أنني أكتب من جذور عوالمي وأن هذا الفضاء هو الهواء الذي أتنفسه.
ولا أؤمن بأن هناك نصا يفتح الطريق فأنا أكتب من أجل رسالة بدأت معي منذ البدايات: رفع الوعي.

○ هل تتذكرين أول كتاب اقتنيتِه بنفسك، ولماذا شدّك إليه؟
أول كتاب اقتنيته بنفسي وكان له أثر عميق في هو رحلة الأرواح لمايكل نيوتن الطبيب النفسي الذي عالج مرضاه بالتنويم المغناطيسي.
كل ما جاء في كتابه كان مألوفا في داخلي وكأن معرفتي بهذه العوالم سابقة على القراءة.

○ أنتِ معروفة كشاعرة وكاتبة في علم النفس الباطني والطاقات… فهل هناك جنس أدبي آخر جرّبته أو تفكرين في خوضه؟
أكتب الشعر الصوفي الوجداني والكتابة التأملية كذلك وهذا ما جعل كل قصائدي النثرية مرآة تعكس نفسي في كل لحظاتها. كانت لي محاولات في كتابة الشعر الغنائي في طفولتي ولم أكن آنذاك أفهم الشعر الموزون بل كان قلمي يعبر عما أعيشه من مشاعر. ومع مرور الوقت أدركت أن بداخلي رسالة وأن قلمي كان يتجه نحو العوالم الخفية التي أسكنها في داخلي.
لكن بداخلي أيضا مفكرة تسافر داخل ذاتها لتكتب أكثر لتبلغ رسالتها ولتلمس قلوب القراء.
رسالتي هي رسالة وعي وأنا أؤمن أن المحبة نور الروح وأن الكون داخل الإنسان لا خارجه وأن حياته انعكاس لمرآته الداخلية.
لا أؤمن بالعبثية ولا أؤمن بدنيا منفصلة عن ذواتنا فالدنيا هي ما نزرعه في داخلنا.

○ كيف انعكست اهتماماتك بعلم النفس الباطني والطاقات الكونية على لغتك الشعرية؟ هل غيّرت طريقة رؤيتك للعالم؟
اهتماماتي بعلم النفس الباطني والطاقات الكونية تنعكس كثيرا على كتاباتي فأنا أكتب بقلمي الروحي والقلم هو الوسيلة التي تجعل لغة النور تتكلم من خلالي.
رؤيتي لا تأتي من الخارج بل من داخلي وأنا أريد أن أغير العالم من خلال الوعي. أكتب لأن روحي مفتوحة على عوالم خفية وكأن داخلي منبع نور وحبر قلمي قطرات أسكبها للقارئ ليجد طريقه إلى ذاته.

○ هل تعتبرين نفسكِ أقرب إلى القصيدة أم المقالات ذات البعد الروحي أم النصوص السردية؟ وكيف تحددين هويتك الأدبية؟
أنا أقرب إلى القصيدة ففي القصيدة أسافر وألامس كل كلمة كأنها مصباح يفتح نافذة وعي جديدة.
وأنا أيضا قريبة من المقالات ذات البعد الروحي لأنها تنبع من عوالمي الباطنية. أما النصوص السردية فأكتبها بتقمص كامل لمشهد التجربة.
ربما القارئ وحده يحدد هويتي الأدبية أما أنا فأكتب من أجل رسالتي.
إن كان لي وصف فقد أكون أديبة ذات عمق روحي أو ذات عمق فلسفي لأن ما أكتبه يعبر عن نور قادر على تحرير الروح البشرية.

○ ما الذي تبحثين عنه عندما تكتبين؟ الخلاص؟ الفهم؟ التطهير؟ أم أنك تكتبين فقط كي لا يثقل العالم على روحك؟
أنا لا أبحث عن شيء عندما أكتب بل أوزع ذاتي لتفهم نفسها أكثر وأطلقها في كتابة حرة لتتسع معرفتها الداخلية.
كتبت نصوصا صدمتني وبدت أكبر من معرفتي الواعية وهذا جعلني أبحث عن معرفة أعمق داخل نفسي لأقدم رسالة وعي ثمارها من نور الروح.
العالم لا يثقل على روحي لأن العالم في داخلي لا خارجي.
أنا في الكل والكل في لغة اتصال أستشعرها والحرف هو الحقيقة التي لا تخمد لأنه يحرر.

○ هل ترين أن الكتابة قادرة فعلاً على شفاء القارئ من داخله، أم أن دورها يظلّ رمزياً فقط؟
الكتابة تكشف قدرات الإنسان وتفتح بوابات المعرفة لأنها مفتاح الأرض وطريقة لشفاء المتلقي ولتحليق داخل ذاته عبر لغة جديدة تمنح العتمة نورا.
أكتب كي أفتح الفكر الإنساني ليفهم نفسه ويتواصل معها.
القارئ العميق يريد أن يجد نفسه في الكتاب كأنه يتصفح ذاته بين الصفحات.
يبحث عن نص يشفيه نص يفتح له أبواب عوالمه المختبئة عنه.
يريد حضورا يلمسه… حضورا يلتئم فيه جرحه بصمت.
يريد كلمة تنصت له وتعبر إليه وتوقظ ما خبا في داخله.
فالقارئ العميق لا يقرأ النص… بل يقرأ روحه من خلاله.

○ كيف تتعاملين مع من يخلط بين الكتابة الروحية والكتابة الوعظية؟ وهل يزعجك هذا الالتباس؟
نعم يزعجني الاختلاط حين يتحول إلى وعظ يفرض معتقدات جاهزة بينما الكتابة الروحية تفتح آفاقا يختار القارئ بنفسه الدخول إليها.
الروح تعرف ما ينتمي إليها وتنجذب إلى ما يشبه ترددها. الكتابة الروحية تغذي بينما الوعظ يطفئ.

○ ما هو عملك الأساسي؟ وهل له صلة مباشرة بعلم النفس الباطني أو بالكتابة؟
عملي في قطاع الصحة وأسعى دائما أن أكون مرشدة روحية وهذا يسعدني لأنه يتيح لي مساعدة الآخرين.
نعم هذا يرتبط بعلم النفس الباطني فداخل كل نفس بشرية منبع نور وبئر ظلام وهذا جوهر كتاباتي.

○ هل تجدين صعوبة في الموازنة بين العمل والكتابة؟ وأيّهما يأخذكِ من الآخر؟
لا أقبل عملا يبعدني عن ذاتي كأديبة ومفكرة.

○ هل مررتِ بلحظة شعرت فيها بأن العمل اليومي يستهلك طاقتك الإبداعية؟ وكيف تتجاوزين ذلك؟
مررت سابقا بلحظات قاسية أخذت فيها الوظيفة كل وقتي فانفصلت عنها.
اخترت ذاتي واخترت الكتابة وكان ذلك القرار الصحيح.

○ كيف ترين المشهد الأدبي التونسي اليوم؟ وهل يمنح الكاتبة الشابة مساحة حقيقية للظهور؟
أرى المشهد الأدبي مهمشا لأن الكتابة التي بلا روح لا تصل إلى قلب القارئ.
قليل جدا من أراه يحمل شعلة الروح في كتابته.
الكاتب الحقيقي يكتب الحقيقة وأنا أرى المشهد بعيني لا بأعين الناس.
أعلم أن كتاباتي قدرية وستسافر إلى الميناء الذي ينتظر رسالتي.

○ هل واجهتِ تحديات في إثبات حضورك كشابة تكتب في مجال غير تقليدي مثل علم النفس الباطني؟
لم أجد تحديات في إثبات حضوري كشابة تكتب في مجال غير تقليدي لأنني أكتب من حقيقة لا يستطيع أحد العبث بها.
النفس محركها الحب والحب نور الروح

○ أي الشعراء والكتاب اليوم هم الأقرب إليك؟ ومن الذين تعودين إليهم كلما احتجتِ إلى دفعة من الضوء؟
الشاذلي الڨرواشي من أقرب الشعراء والكتاب إلى روحي يبعث في داخلي شعلة نور تأخذني إلى أبعاد نورانية أكتشف فيها قدراتي الأدبية.
هو الضوء الذي أعود إليه حين أحتاج دفعة نور.

○ هل لديكِ مشاريع كتابية قيد الإنجاز أو إصدارات ستبصر النور قريباً؟
أتمنى أن تكون لي مشاريع كتابية قيد الإنجاز وأن يكون لي إصدار يلمس القلوب ويفتح نوافذ الذات.

○ إذا منحتك الحياة عاماً كاملاً من الوقت والهدوء، ما هو الكتاب الذي تحلمين بكتابته؟
أحلم بكتاب عن السفر داخل الذات الحقيقية إن منحتني الحياة عاما واحدا من الوقت والهدوء سأكتب عن السفر داخل الذات الحقيقية.

○ ما الرسالة الروحية أو الإنسانية التي ترغبين في أن تبقى بصمتك عليها في وجدان القرّاء؟
أما رسالتي الروحية والإنسانية التي أرغب أن تبقى بصمتي في وجدان القراء فهي أن أغير مفاهيم النفس وأفتح نوافذ لم تكن البشرية قادرة على فتحها وأن أترك مفاتيح لكودات تحرر النفس البشرية من الخوف والظلام وتساعدها على الصعود إلى مدارج النور.
أريد أن أعلم القارئ أن في داخله بوابة شفاء وأنه قادر على معالجة أي ألم روحي أو نفسي أو جسدي إن فهم ذاته.
وسأواصل العمل على هذا الطريق.
سلام وحب وشكرا لهذه المنارة الثقافية التي تهتم بنشر الأدب لأن الأدب وعي يتحرر بضوء القلم.

___________________________________

عندما تنهي كوثر الصحراوي حديثها، لا تغلق الكلام ، بل تتركه معلقا مثل خيط نور يمتد نحو قارئ يبحث عن معنى.
في كلماتها التماعة روحية لا تهدأ، ورغبة عميقة في إعادة الإنسان إلى نفسه، وفي تحويل الحرف إلى دليل سفر داخل الذات.

هذا الحوار ليس نهاية حديث، بل بدايته؛
فكل إجابة قدمتها كوثر كانت نافذة جديدة لا تغلق، وكأنها تقول للقارئ:
إن الطريق الحقيقي يبدأ حين تنصت لروحك، وحين تدرك أن الحبر قد يكون أحيانًا أعمق من الذاكرة، وأصدق من العالم.

تبقى كوثر الصحراوي صوتا يتحرك بين الكون والإنسان، شاعرة ومفكرة تكتب من أجل أن يعلو الوعي لا من أجل أن يعلو الصدى.
وبين السلام والمحبة التي ختمت بها كلماتها، يظل الحوار شاهدا على روح لا تكتب لتُقرأ فقط… بل لتُوقظ.













تعليقات