📁 أخر المشاركات

 


أُمنية

المشهد: “طفلةٌ تُلقى في البحر أمنيّتَها: يا ربّ.. أيّها السّاكنُ بالَ المساكينِ…. أرِني كيف يكون الحبُّ؟

وجئتَ..
وكان يكفي أن تُطلّ ضحكتُك.. لينموَ حولها بحرٌ..
فنجانُ شايٍ.. ورصيفٌ… وأسرارُ رصيفٍ.. ونهر..
كان يكفي ليلٌ واحدٌ..
كان يكفي نصٌّ تشتعل فيه أصابعي…
عيناك..
زاويةٌ في مقهى..
فنجانُ شايٍ يردّد أصداءَ الحديثِ…
ويدي تلتقي بيدِكْ خطأً..
كنتُ أريد أن أعبر الطريقَ فقطْ..
وكنتَ في كلّ الأحوالِ.. بكلّ مفرداتِ الـ”لن أحبَّك” التي قلتَها.. كنتُ أعبر إليك..
كما يعبُر جبلٌ إلى جبلٍ..
اهتزازاتٌ.. وزلازلُ.. وأمواجٌ خافقةٌ..
وطفلانِ يركضان على الميناءِ الشتويِّ…
يعتنقان لغةً واحدةً…
هكذا يكون الحبُّ؟
جبلٌ لجبلٍ التقينا…
وكان العمرُ يجري بينهما…
أعدتَ تعريفَ الأمانِ.. تشكيلَ النصّ الغزليِّ في روحي.
تعريفُ فنِّ الغزلِ؟
رجلٌ يفيض حنانًا عندما تبكينَ… ينزع القلقَ بأظفارِه من روحِكِ..
رجلٌ تمقتينَ عيوبَه وتشتّتَه ونسيانَه التفاصيلَ.. وتحبّينَ عيوبَه وتشتّتَه ونسيانَه التفاصيلَ..
رجلٌ ينقلكِ من أقصى لأقصى..
لا يغلق بابَ النهارِ حتى يخرج كلَّ ضحكاتِكِ من صدرِكِ.. مهما بدا النهارُ طويلًا
لا يترك مفاتيحَ الخوفِ في قلبِكِ..
يفتح صدرَه لاحتضانِكِ.. كلّما خطرت بباله قصيدةٌ..
ولا يخرج من نصِّكِ.. إلّا وقد جرّدكِ من خجلِ اللغةِ.. وألبسَكِ لغتَهُ..
رجلًا تضحكين معه كيف تشائينَ.. تبكين معه كيف تشائينَ… ويدانِ تلفّان خصرَكِ.. تعجنانهُ.. لتخرجي من بين يديه امرأةً من نارٍ…
التقينا..
وكلّما أذّن الرحيلُ كنّا نصلّي صلاةَ قِبلةٍ أخيرةٍ..
نغيّر الطرقاتِ فنجدُنا في آخرِ المحطة معًا..
نستبدل الحبَّ بالإلهاءِ.. نخفض صوتَ أغنياتِنا..
نمحو عن الشاشاتِ قصائدَنا… ثرثراتِنا اللّيليةَ..
ضحكاتِنا التي لم نضحكْها من قبل.
ثم نخرج من الرحيلِ بِخُفَّيْ حُنينٍ..
كنّا ندركُ.. ككلّ المجانينَ أنَّنا سننتهي…
وكنّا نقترفُ ككلّ المجانينَ… لعبةَ البداياتِ من جديدٍ…

وافترقنا..
كنتَ رجلًا له وطنٌ وأنا عصفورةٌ في سماءٍ..
رجلًا يرتدي بأناقةٍ كلَّ منتجاتِ الأسواقِ.. وكنتُ لا أملك إلّا جناحينِ..
رجلًا لا يخرج عن خطِّ السيرِ.. يقف عند الإشاراتِ الضوئيةِ.. يضع حزامَ الأمانِ… وكنتُ امرأةً تصنع خريطتَها بيديْها.. لا تؤمن بلغةِ الشوارعِ.. لا وطنَ لها سوى نصِّها…
كنتَ رجلًا ببيتٍ وأهلٍ ووطنٍ ونشيدٍ…
وكنتُ امرأةً بيتُها قصيدتُها..
أهلُها كلُّ الذينَ تحبّهم..
ووطنُها سماؤها…
وربُّها يسبّح له كلُّ من في السمواتِ والأرضِ..
لا قطعَ بازلَ في البازاراتِ الوطنيّةِ…

افترقنا..
ليلٌ.. وشوقٌ.. وامرأةٌ يفقدُها رحيلُكْ اتّزانَها…
ماذا أفعلُ بكلِّ هذا الشوقِ؟
افترقنا.. ولم تنفع كلُّ حيلِنا للرجوعِ…
وكان خروجُ صوتِك من عالمي.. خروجُ ضحكتِك.. آخرَ زلازلي وبراكيني…
كان عليَّ أن أخونَ ذاكرتي.. وقلبي… وأمحوكَ من وجهي… من لغتي..
كان عليَّ أن أستردَّ من البحرِ أمنيتي..
وكان عليَّ… أن أحوّلكَ لكلِّ شيءٍ… إلّا لحبيبيْ..
لبستُ ثيابَ الساحراتِ.. وأخرجتُكَ من مفرداتِ العشّاقِ المجانينَ… وانسحبتُ من شوارعِنا… انسحبتُ من لغةٍ لم تُخلقْ إلّا لعينيْكَ…
ومن هذا الاطمئنانِ يسري في مفاصلي كلّما ذبلتْ عيناكَ عند خيوطِ التماسِ…
حوّلتُ خطَّ سيرِ الحبِّ بين عينيْكَ وعينيّ…
اجتهدتُ… درستُ كلَّ منهاجِ الرحيلِ… امتحنتُ نفسي على الثباتِ أمام سطوةِ روحِكَ..
وأغلقتُ مخارجَ السطرِ الأخيرِ…
لا شعرَ ولا حنينَ…
وها أنا ذا ودّعتُ البحرَ والرصيفَ… واسترددتُ أمنيتي مع تعديلٍ بسيطٍ:
يا ربّ، كيف يكون الحبُّ آمنًا وقويًا لا تفرّقُه الأوطانُ المتفرّقةُ على الخريطة؟

هدى سليمان

تعليقات