📁 أخر المشاركات

فاطمة محمود سعدالله: أرفض الابتذال وأؤمن بأن النص الجيد وحده يبقى - حاورها سعدون التميمي

فاطمة محمود سعدالله: أرفض الابتذال وأؤمن بأن النص الجيد وحده يبقى

ليس هذا حوارا يقرأ على عجل، بل مسافة من التأمل تقطع على مهل. منذ الجملة الأولى، ندرك أننا أمام كاتبة لا تجيد الحرف فحسب، بل تنصت إليه وهو يتكون في أعماقها قبل أن يصير كتابة. فاطمة محمود سعدالله لا تدخل الأدب من بوابة الادعاء، بل من دروب الطفولة، من بساط متواضع قرب الباب، من كتاب مسنود إلى مخدة، ومن أم كانت تعرف بالفطرة أن الشغف إذا وجد من يحميه كبر وصار قدرا.

في هذا الحوار، لا تتحدث فاطمة عن الكتابة بوصفها مهنة أو لقبا، بل باعتبارها ضرورة وجودية، وخيارا واعيا لحياة داخلية أكثر اتزانا. تتقاطع ذاكرتها مع قراءاتها، وتتشابك التجربة الشخصية مع الوعي النقدي، فيتشكل صوت أدبي لا يركن إلى السهل ولا يطمئن إلى المألوف. من الشعر الذي اختارها أولا، إلى القصة التي صقلت وعيها، وصولا إلى الرواية التي جاءت متأخرة ولكن ببطء النضج لا بعجلة التجربة، تمضي الكاتبة في رسم مسارها دون صخب، ودون افتعال معارك جانبية.

هذا الحوار هو أيضا شهادة على موقف فكري وأخلاقي من الأدب: رفض للابتذال، إيمان بالصدق، انحياز للحزن بوصفه أقرب الطرق إلى الحقيقة، ونظرة نقدية حادة لمشهد ثقافي ما زال يضع المرأة الكاتبة تحت مجهر الوصاية.
هنا لا نجد أجوبة جاهزة، بل تأملات عميقة، وتجربة تقدم بلا أقنعة، وبوعي بأن النص الجيد وحده هو من يملك شرعية البقاء.

حوار خاص مع الكاتبة و الشاعرة التونسية القديرة "فاطمة محمود سعد الله"

حاورها | سعدون التميمي

مجلة بويب الثقافية

__________________________________________

فاطمة محمود سعدالله: الكتابة ليست موهبة عابرة بل خيار حياة ومقاومة هادئة

أولا أبدأ بشكر أسرة التحرير في مجلة بويب الثقافية على إتاحهم لي هذه الجولة الثقافية المنعشة بين صفحات المجلة وأصافح من خلالها القراء.كما لا يفوتني أن أنوّه بإعجابي بحسن انتقاء أسرة التحرير للأسئلة وثرائها وبتميزها بكونها منوعة وبعيدة عن الاجترار المألوف لدى غيرهم.

لنبدأ من اللحظة الأولى: ما الصورة الأقدم التي تحتفظ بها ذاكرتك عن الطفولة والتي يمكن القول إنها وضعت البذرة الأولى للكاتبة التي أنتِ عليها اليوم؟
تتعالق ذكريات الطفولة غالبا وتتشابك لتكوّن نسيجة تتضح حينا ويلفها الضباب حينا آخر ولكن رغم ذلك تطفو إحدى الصور وتقترب بثقة لترافقنا وتلتصق بنا فتتنفس بأنفاسنا وتتخذ حيزا خاصا بها لتحيا وتنمو.
ومثل هذه الصورة تشكلت في ذاكرتي كرفيف ضوئي يتبعني ويخطو بخطوي حتى اليوم .فأراني في تلك الطفلة التي تفترش الأرض قرب الباب على بساط متواضع مستلقية بكل أريحية على بطنها وتسند الكتاب على مخدة تقلب الصفحات واحدة ..واحدة ترتوي بسطوره من عطش وتتغذى بحروفه من جوع.
ولم تكن تلك الطفلة تكتفي بالقراءة بل كانت تكتب ما علق بذهنها من كلمات..
تلك هي البداية التي مازالت عالقة في الذاكرة.

من كان أول من انتبه إلى علاقتك المبكرة بالحرف؟ ومن فتح عينيك على سحر الكلمة قبل ان تعي أنك ستسكنينها عمرا كاملا؟
في بادئ الأمر لاحظت والدتي رحمها الله قبل أي كان شغفي بالمطالعة وولعي بالقصص فكانت تمدني خلسة بالنقود تقتطعها من مصروف البيت كي أشتريّ إحدى القصص وتحثني على تلخيصها وسردها على مسمعها.بل كنت أحيانا أحولها إلى مسرحية أمثلها مع إخوتي .
لكن الذي أدرك قبل غيره علاقتي الحميمة بالقراءة وشغفي بالحرف كان أستاذي للغة العربية في المرحلة الأولى من التعليم الثانوي/محمود بوعفيف رحمه الله كان يوجهني إلى كتاب بعينهم لأكتشف سحر التعابير وجمال الكلمة وشاعريتها فوجهني منذ تلك المرحلة إلى كتب طه حسين وتوفيق الحكيم وجبران خليل جبران وكذلك مي زيادة.فنما عشقي للكتاب وزادت ثروتي اللغوية وبدأ خيالي في التكون والتوسع.

هل تتذكرين أول نص كتبته فاطمة محمود سعدالله؟ وبماذا تشعرين اليوم وأنت تعودين إليه بعد النضج؟
نعم أذكر أول نص كتبته وكنت فخورة به جدا .كان قصة قصيرة متكاملة العناصر.
لكنني للأسف أشعر منذ ذاك اليوم حتى الآن بالحزن الشديد لأنه لم يعمر كثيرا عندي سرق ليلة كتابته.مباشرة بعد اكتماله. وأعرف حتى اليوم من سرقته بل رأيته عندها بعد مدة في محفظتها وكانت تتباهى به.ولم أستطع أن أحتج لأنها كانت أكبر مني. تدرس في قسم الباكالوريا وقتها.فمن كان سيصدقني؟
ولكني لم أنسَ.ومازلت أتحرق على ضياعه مني.

متى أدركت أن الكتابة لم تعد هواية عابرة بل صارت قدرا لا فكاك منه؟
الإدراك وعي والوعي يأتي مع مرحلة النضج لذلك لم تكن الكتابة بالنسبة إلي في بادئ الأمر سوى تمارين مدرسية أجاز عليها بأعداد متميزة ثم صارت مهربا لي من بعض الإرهاصات والانكسارات وحالات الغضب أفرغها على الورق حتى أدركت مع النضج العمري أن الكتابة ضرورة حياتية أكتمل بها وأمتلئ من كل النواقص .فهي ليست قدرا بقدر ما هي اختيار منهجي لحياة نفسية مستقرة ومتوازنة . تحولت الكتابة تماما كالقراءة إلى ممارسة طبيعية شبه يومية لما توفره لي من براحات شاسعة للتنفس و التجدد والقدرة على التواصل مع الآخر كمتلقٍّ لرسالة الفعل الإبداعي.



في أي لحظة شعرت لأول مرة بأن قلمك يثير الحسد أو لك الغيرة أو القلق لدى الآخرين وكيف تعاملت مع ذلك داخليا؟
هل كانت الغيرة التي واجهتك دافعا إلى الاستمرار أم جرحا صامتا حاول ان يثنيك عن الطريق؟

سأحاول أن أجيب عن هذين السؤالين معا لما بينهما من تواشج وتكامل.
قد تستغربون إن قلت أنني لم أقارن نفسي بأحد.ولم انتبه أن هناك من أثارت لديه كتاباتي الغيرة أو الحسد أو القلق.بالعكس لو حدث ذلك سأكون سعيدة جدا.لأن الغيرة هي علامة على النجاح. والحسد في هذه الحالة يصبح خلاقا. ودافعا أكبر إلى المجاوزة.وفي حالتي الخاصة سأحوّل الغيرة والحسد وقلق الآخرين من قلمي إن حدث ذلك إلى مطية سبق لأحقق بواسطتها نجاحات أكبر تجعلهم هم أيضا ينجحون لأن الحاسد إذا رأئ نجاحك سيحاول اللحاق بك وهكذا.
الغيرة أو الحسد ليستا دائما من الصفات السيئة بل كثيرا ماتكونان خصلة محفزة للطرفين الحاسد والمحسود فكلما خطا المحسود خطوة إلى الأمام خطا الحاسد مثله وهكذا يتقدم الإثنان و تكون الغيرة والحسد دما جديدا يضخ اوردة العمل الإبداعي.وما أحوجنا إلى الغيرة الإيجابية والحسد الخلاق. والقلق الذي يشرّع أبواب النقد النزيه والبحث المعمق على مصاريعها.

بين الرواية والقصة والشعر أي الأجناس الأدبية اختارك قبل أن تختاريه ولماذا؟
حسب رأيي اختارني الشعر أولا ثم اخترت القصة. وجاءت الرواية على كبر .
لأن الشعر هو لغة الطبيعة قبل أن تقتحمها المعرفة وقبل ان يتبلور الفكر.الشعر في مناغاة الطفل الأولى وفي حفيف الشجر وزقزقة العصافير.الشعر يكتشفنا و ويرسم لنا خارطة المشي الأولى تماما كالأم تمسك يد طفلها كي لا يتعثر كأم الحمام تعلم طفلها أول درس في الطيران. هكذا وجدتني أصغي إلى الشعر يدعوني إلى ممارسة طقوسه وأقيم الصلاة في محرابه. في سن مبكرة.وكانت كتاباتي باللغة الفرنسية أولا ثم تحولت إلى العربية.أما القصة فهي منزلة بين منزلتين...هي مرحلة اكتشاف قواعد الكتابة وشروط الإبداع.في القصة يتيقظ العقل ويصبح محركا للقلم موجها له فجاءت القصة عندي في مرحلة بن مرحلتين شعريتين.الاكتشاف المبكر للكتابة الشعرية ثم اعتناق القصة ثم عودة إلى الشعر بوعي اكبر وإدراك أوسع أما الرواية فهي مازالت تحبو رغم أنها ولادة متأخرة في مسيرتي الأدبية وربما تأتي غالبا لدى الأديب تتويجا للاكتمال المعرفي والنضج الفكري لأن الرواية تحتاج كثيرا إلى عاطفة يغذيها العقل وترويها المعرفة.

هل تكتب فاطمة محمود سعدالله انطلاقا من الواقع كما هو أو تعيد تشكيله بخيالها أم من جراح داخلية لا ترى.؟
الخزاف قبل أن يشرع في تشكيل أوانيه الخزفية يغرف مادته الأولية من الطبيعة/الطين وهو المادة الخام. والأصل والواقع ثم يوظف خياله لتصور الأشكال ومهارته ليخرجها أشكالا فنية تجمع بين الفن والأصالة.
وبالتالي الإبداع ليس نقلا لصور طبق الأصل من الواقع بل هو التزام بذاك الواقع كمنطلق ثم إطلاق العنان للخيال لإعادة التشكيل والتطويع و من ثمة الإبهار.
فأنا عندما اكتب القصة أو حتى في كتابة الرواية أنتمي بل اتجذر في الواقع وأستقي منه شخصياتي وانتقي منها ما يمكن أن يتحول من النطاق الفردي الضيق إلى المدى الإنساني الأرقى. ومن هنا أجعل او أحاول أن ارسخ شخصياتي كظاهرات إنسانية لا يقيدها مكان ولا يحدها زمان. فالمرض مثلا ابتلاء قد تصاب به امرأة هنا أو رجل هناك. وهذا واقع وعندما تنحت الشخصية المريضة بإزميل المبدع وترسم بريشة الفنان تكسر الحدود الضيقة لتعانق تجربة الألم عند الإنسان مهما كان جنسه أو لغته او دينه.
في الشعر يمكن أن يقترب القلم أكثر من الذات فيغمس ريشته في محبرة الوجع لكنه يظل ضيقا إذا اكتفى ببكاء شخصي يسجن في حدود الفرد.فالنجاح الحقيقي للتعبير عن الوجع يكون في النص الذي يقرأه المتلقي فيجد فيه نفسه سعيدا كان أو حزينا رغم أن الوجع الذاتي يبقى قادرا على التأثير ولعل هذا يبرر ما قاله المسعدي رحمه الله" الأدب مأساة أو لا يكون" مأساة بمفهومها الوجودي المتمثل في صراع الإنسان المستمر ومقاومته لقوى خارجية تحاول سحقه لكنه تصدى لها وبكل الطرق سواء ببناء السد او الاتحاد بالمطلق كما رأى المسعدي ذلك.
كما أنني أطرب للنص الحزين لأنه أقرب إلى الصدق لأنه ينغمس في جراح القلب التي يحاول العقل إخفاءها او طمسها.
فالأغاني الحزينة هي الأجمل على رأي أحد الشعراء الفرنسيين عندما قال: "
les chansons les plus belles sont les plus tristes.
لانها تلامس الوجدان وتجانب الكذب فالشاعر عموما أصدق في الرثاء منه في المدح.

إلى أي حد تتقاطع سيرتك الذاتية مع شخصياتك السردية؟ وأين تتوقفين عن البوح؟
شخصياتي السردية تختارني هي وتفرض علي نفسها من المحيط الضيق ومن الواقع الأوسع لكنها قلما تلامس سيرتي الذاتية بل أنا حريصة كل الحرص على عدم التداخل في الكتابة بين الآخر والذات حتى وإن كان السرد بضمير المتكلم.
ويوم أفكر في كتابة سيرتي الذاتية الفعلية لن اتردد في ذلك. السيرة الذاتية فن إبداعي يحتاج إلى الكثير من الشجاعة وكذلك يحتاج إلى المادة الدسمة التي يستفيد القارئ منها وليست مجرد إرضاء للفضول.
لا أرى في الكتابة الصادقة ما يخيف الكاتب السيرذاتي من البوح .الخوف الحقيقي يكمن فيعدم إيجاد أحداث هامة في السيرة الذاتية لذا يستوجب الأمر البحث عن الثراء.التجربة الذاتية يجب ان تكون ثرية. وسردها يجب ان يكون انتقائيا يتوخى الإمتاع والإبداع ومع ذلك لا بد أن لا يخلط الأديب في سيرته الذاتية ما يتعلق بذاته كإنسان وبعائلته كمؤسسة اجتماعية لها قوانينها وقداستها به كأديب. وبأسرته الأدبية الموسعة.ماعدا ذلك لا شيء يخيف.

من هم الكتاب والشعراء الذين تركوا أثرا واضحا او خفيا في تكوينك الأدبي؟
أنا أومن بأن الأديب هو خلاصة من سبقوه أي هو لم ينشأ من اللاشيء كل الذين احتك بهم مباشرة أو بأسلوب غير مباشر تركوا فيه أثرا وعلموه ببصمة محددة.ابتداء من الأبوين إلى المدرسين معلمين وأساتذة إلى الكتاب والشعراء يعني المطالعات.
قرأت مالا تحصيه ذاكرتي من كتب وتعرفت على تجارب أدباء من القديم إلى الحديث وأنا متأكدة أن كل واحد منهم ترك في بصمة ما وبالتالي أنا خلاصة لمن أحببت منهم .انا لا أنسى رومانسية مي زيادة ولا إيقاعات جبران الحزينة والشعرية المترقرقة عندما يقول: أعطني الناي وغن فالغناء سر الوجود أو عندما يقول مختصرا فلسفة الوجود في نظره " إنما الناس سطور كتبت لكم بماء".ولا انسى ابدا أغاني الحياة التي حوصلت تجربة شاعر حكيم في الخامسة والعشرين من العمر فقط وهو أبو القاسم الشابي. لقد استقيت الفكر من طه حسين وتوفيق الحكيم مبكرة جدا من كتابيهما قادة الفكر/ طه حسين وتحت شمس الفكر / توفيق الحكيم.
كما أن لإرنيست هيمينجواي الفضل في ترسيخ عشقي للرواية من خلال الشيخ والبحروروايته لمن تقرع الأجراس.كما يعود الفضل لأبي العلاء المعري في فتح نوافذ الخيال من خلال رسالة الغفران او الجاحظ في إرساء مبدإ البحث والحجاج من خلال كتابيه. الحيوان والبخلاء .والقائمة تطول وتطول دون أن أنسى محمود درويش وبدرشاكر السياب في الشعر الحديث.



ماذا تقرئين اليوم؟ وهل تغيرت ذائقتك القرائية مع مرور السنوات ؟
اليوم...ومنذ أسبوع تحديدا شرعت في مطالعة رواية "العمى" للكاتب البرغالي جوزيه ساراماغو. وهي تتحدث عن إصابة مدينة بأكملها بعمى غريب وينتقل بالعدوى.ولعلها معالجة رمزية لما يصيب مجتمعاتنا والإنسانية عموما من عمى فكري وعاطفي وإنساني.
طبعا الإنسان مع مرور السنين ومع التقدم في العمر تتغير ذائقته فمن مرحلة الطفولة ومطالعات قصص الأطفال إلى المراهقة والتهام الروايات العاطفية إلى التدرج في النضج العاطفي والفكري ليبدأ الانتقاء والتكوين الصحيح

هل هناك كتاب او نص غير نظرتك للحياة أوللكتابة إلى الأبد؟
في الحقيقة النصوص كثيرة والكتاب والشعراء كثيرون الذين استطاعوا تغيير نظرتي للحياة وللكتابة 180درجة فمنهم ابو العلاء المعري في اللزوميات شعر ا فقد عمق لدي الاعتماد على العقل وبدر شاكر السياب الذي فتح وجداني على التجربة الإنسانية وعلى الألم الذي يصهر الروح فيخلصها من الشوائب ويجعلها تبدع أدبا إنسانيا يحرك الشعور ويقرب المسافات فمن خلال قصيده غريب على الخليج ارتقى الشاعر بتجربةالألم والغربة الذاتية إلى جعلها تجربة كونية إنسانية مجردة من كل ما يحدها بحاجز المكان أو الزمان كما أنه في قصيدة أنشودة المطر فتح أمام القارئ مجالا للتبصر والنفاذ فهذا القصيد اكتشفت من خلاله انصهار الذاتي في الاجتماعي ليتولد البعد الرمزي كما أن هذا القصيد بما فيه من شحنات جمالية نجح في أن يكون حجر الأساس لمدرسة شعرية جديدة تثمن الإيقاع والرمز والإبداع أما الكتابة السردية فلا يمكنني أن أنسى أن محمودالمسعدي وضع لتجربتي حجر الأساس بما رسمه من أبعاد فكرية وأنماط كتابية عابرة للتجنيس فانت تجد المسرح في الرواية في السد كما تجد تعالق الحديث مع الرواية في حدث ابو هريرة قال...كل ذلك بلغة عربية راقية بيانا وبلاغة ورمزا وخيالا كما لو كان ينحتها نحتا فطبق من خلال ذلك ألنظرية القائلة "إن من البيان لسحرا" .
وأعود للتذكير بالقول إن الأديب هو حلقة في سلسلة من المبدعين سبقوه ليكون لهم أحسن خلف يستفيد منهم ويفيد بهم.

كيف تنظرين إلى المشهد الأدبي التونسي اليوم خاصة فيما يتعلق بحضور المرأة الكاتبة؟
هل تشعرين أن المرأة العربية ا مازالت مطالبة بإثبات شرعيتها أكثر من الكاتب الرجل ؟

جمعت هذين السؤالين لما لمسته فيهما من تكامل.
المشهد الثقافي لا الأدبي فحسب في تونس وفي المجتمع العربي يعيش نفس التحولات تقريبا فيما يخص المرأة الكاتبة.
المجتمع التونسي خاصة والعربي عموما ذكوري. ولن يتنازل عن ذكوريته وبالتالي يصر على فرض وصايته على المرأة الكاتبة وتحديد مجال تحرك قلمها إن لم نقل تحدد له إقامة جبرية في مواضيع بعينها.
مازال المجتمع ينظر إلى المرأة كأنثى حتى في كتاباتها وفي حضورها التظاهرات الأدبية والثقافية عليها ان تسترعي انتباه الرجل بل تنبيه غرائزه نحوها وإلا فإنها لن تلمع ولن تنتشر ولن يكون لها حضور لافت. مازال الرجل الكاتب والناقد تحديدا يعرض خدماته على الكاتبة الأنثى سواء بالتدقيق والتصويب او بالكتابة او بالتسويق لاسمها مستعملا إغراءات كثيرة وإن رفضت او وجد أنها لا تحتاج إلى هذه الوصاية ينزل عليها ستار التهميش والتقزيم.
وهذا يتوقف على المرأة الكاتبة سواء على المستوى العربي الواسع او التونسي تحديدا.عندما تنحت كيانها وتؤمن يقدراتها تنجح في إثبات ذاتها رغم الداء والأعداء. والبقاء الحقيقي للنص الجيد سواء أكتبه رجل أو خطته أنامل امرأة.

ما أكثر تهمة وجهت لك ككاتبة وكيف تردين عليها اليوم بعد هذه التجربة؟
اتهمني أحدهم بعد قراءته لمجموعتي القصصية "الصعود إلى الأعماق" بأنني رومانسية وأتحرك في حدود واقعية ضيقة.
ولكن في الحقيقة عنوان المجموعة وحده قادر على الرد.
غير انني لا انكر أنني في مجموعتي القصصية الأولى" الزواج الأبيض" تغلبت علي قضايا المجتمع وتناولتها بأسلوب مغرق في الرومانسية بحكم سني أثناء كتابتها كنت تقريبا مابين سن 13 و15
وطبيعي أن تكون لغتي لغة مشاعر لأن العقل والتفكير لم يتبلورا بعد ولم يتشبعا بالغذاء الفكري بعد.
وأقول له اليوم لو سمحت الفرصة بذلك اقرأ كتاباتي الجديدة وحاول الغوص في فلسفتها ورموزها.

هل مررت بفترة صمت إبداعي؟ وإن حدث كيف واجهته فاطمة الإنسانة لا الكاتبة؟
نعم مررت بفترة صمت إبداعي طويلة نسبيا. فترة صمت فرضتها علي ظروف مختلفة كالحياة الأسرية والواجبات العملية وغيرها لكن فاطمة الإنسانة تصرفت بما لديها من إمكانيات متواضعة.فكانت تختلس الوقت للكتابة من سويعات نومها وأحيانا في مقر العمل أثناء لحيظات الراحة بين ساعات الدريس / الفرصة.
كنت أتحايل على الوقت لأكتب لم اتوقف عن ذلك حتى اقتحمت معترك الحياة الأدبية بما لدي من رصيد كان مخبأ بالإضافات التي تأتي في حينها.
والحمدلله كانت الانطلاقة متوازنة وثابتة لأنها لم تكن من فراغ.



ما الطقوس التي تلازمك أثناء الكتابة؟ وهل للزمن او المكان تأثير في ولادة النص؟
ليس لديّ طقوس خاصة او محددة تزامن الكتابة.أنا أكتب عندما أحس بإلحاح فكرة معينة تغشاني كطيف يرجني فأستيقظ من نومي لكتابتها أو أوقف عملا ما وأقتنصها اقتناصا لأنني إذا فوت تلك اللحظة التي تشبه المخاض فإن ولادة النص تفشل وفي غالب الأحيان تتلاشى الفكرة.بالنسبة للزمان والمكان نعم لهما تأثير كبير في ولادة النص.وخاصة الليل والبحر والمشاهد الطبيعية المفتوحة والممتدة. يساعد ني الليل بل يسحرني سواء بهدوئه والمكان مغلق أو بانفتاحه على سماء مقمرة.
المكان والزمان طرفان أساسيان في العملية الإبداعية.

حين تكتبين، لمن تكون الكلمة اولا: لكٍ أم للقارئ أم للحقيقة؟
إذا اعتبرنا أن الكتابة وسيلة تطهير وخلاص فإن الكاتب عموما يكتب لنفسه ليصل بحرفه إلى مراتب الخلاص والطهارة .
وإذا اعتبرنا أن الكتابة جسر يمتد للتواصل بين الباث والمتلقي فإن الأديب يكتب للقارئ أيضا لأن النص إذا كتب وقبر في الأدراج فإنه يموت ولا يحيا إلا بالقارئ ،بالناقد الذي يثمن النص ويخلده.
ولا يمكن للكاتب أن يتخلص من العقد والشوائب ومعوقات الكتابة ويحقق الرضا إلا إذا كان صادقا و لا هدف له سوى الحقيقة كما أن جسر التواصل بينه وبين القارئ لا يظل موصولا إلا إذا كان النص مرآة صادقة تنعكس عليها أحلام القارئ وطموحاته وبالتالي فإن هذا الثالوث المتمثل في الذات الكاتبة والأنت المتلقية والميثاق/ الحقيقة والصدق بينهما هو ثالوث متكامل لا يتجزّأ.

ما النص الذي تخشين نشره رغم جاهزيّته؟ ولماذا؟
بعض النصوص لا تكتب للقراءة.
لذلك تظل قيد النسيان وهي تلك التي تكون في لحظة ضعف ومواجهة الذات للذات لذلك يحكم عليها إما بالاتلاف او النسيان بين الأدراج.
أكره أن أظهر في حالة ضعف .ومواجهة الذات ومحاسبتها ربما تذكيرها بأخطائها وبضعفها.
لذلك عدم النشر هوحفظ لماء الوجه وستر لعورة الروح وهي في أقسى حالات الألم و الضعف

هل شعرت يوما أن نصا ما كان أقوى منك فقادك إلى حيث لم تخططي؟
نعم، وتحدث كثيرا. الكتابة هي فعل التعبير عن حاجة نفسية أو فكرية أو نقل لصورة ما من المجتمع قصد نقدها او دعمها وبالتالي الكاتب حين الشروع فيها لا يخطط إن كانت ستضعه أمام الشعر أو السرد أو هل ستكون نبذة موجزة او مطولة.
حدث لي ذات لحظه كتابة أن وجدت نفسي أكتب قصة قصيرة من ثلاثة أجزاء في حين أنني وقتها كنت سأرد على رسالة قصيرة وردتني كتحية صباحية برسالة مثلها
لذلك لا يستغرب من كون الكاتب فهو مليء بالأسرار ومشحون بالمفاجآت .

كيف تتعاملين مع النقد: هل تنصتين له بهدوء أم تقاومين ما يجرح النص؟
النقاد أصناف.
ناقد مدفوع الأجر مسبقا ولن تسمع من هذا إلا المدح والتفخيم.
وناقد عاشق للنص رجل كان او امرأة فلا يرى في النص إلا ما يسر. ويشيد به إشادة قد تحرج الكاتب احيانا.وناقد موضوعي يشرح النص فيشيد بإجابياته ولا يغفل عن نواقصه من باب التنبيه وهو النقد البناء. والإثراء والتوجيه صوب ما هو أفضل وهذه الفئة من النقاد قليلة و يسعد الكاتب لو فاز باهتمامها
في حين ان هناك فئة أخرى لا تمارس النقد وإنما تجرد قلمها سيفا بتارا لهدم النص وهذا ما يعرف بالانتقاد والتجريح من باب خالف تعرف.أنا شخصيا واجهت واحدة منها فقط في مسيرتي الأدبية حتى الآن فما كان مني إلا تجاهلها. لأن أسباب التحامل والتجريح واضحة.



إلى أي مدى تؤمنين بأن الأدب قادر على التغيير الحقيقي في المجتمعات؟
نعود إلى ظاهرة الصدق والسعي نحو الحقيقة.
إذا كان الكاتب قريبا من قضايا مجتمعه وكان ملتزما بها كهدف يسعى بكل صدق وجد إلى تحقيقه فإنه سيتحول مصلحا يقاوم كل الآفات الاجتماعية بقلمه فيشخصها وذلك بتناولها بالتعريف والبحث عن الأسباب والمسببات بل لا يتوقف عند ذلك إذ في إمكانه أن يوحي بالحلول إن لم يضعها هو بنفسه او ينادي بها.
فأطفال الشوارع مثلا قضية إنسانية تنخر المجتمعات العربية خصوصا فعندما تتكاثف جهود المبدعين للتحسيس بها في القصص والروايات والقصائد والمسرحيات بل وفي رسم اللوحات الفنية وإقامة المعارض فهذا نوع من الضغط على المسؤولين وأولي الأمر للالتفات إليها وإيجاد الحلول كإنشاء الجمعيات الخيرية لإيوائهم وحث رجال الأعمال والقادرين عامة على المساهمة في ذلك.
وهكذا يكون الأدب. والفن عموما قد ساهم في تغيير المجتمع تغييرا إيجابيا.
السؤالان الرابع والعشرون والخامس والعشرون.

ما الحد الفاصل في نظرك بين الجرأة والابتذال في الكتابة.؟
الحد الفاصل بين الجرأة والابتذال يكمن في تعريف مضمون كل منهما.إذا طرحنا السؤال ما الجرأة؟ فإننا سنجد في قواميس اللغة ما يوضح أنها الشجاعة والإقدام. وهي حالة صحية تسعى إلى الإفادة وتنبع من الثقة بالنفس والرغبة في إفادة الغير.إن قلت كانت جبنا وعجزا عن الفعل وإن تجاوزت الحد كانت تهورا وربما وقاحة.
فالقلم الجريء يتناول المواضيع التي تعتبر من التابوهات ويكشف المسكوت عنه في حين ان الابتذال هو تجاوز خط الشجاعة إلى الوقاحة.فأن ينقد أحدهم السياسي مثلا فذلك لا يعني أن يمس بالأعراض او يجرح المحصنات .وأن يصف شاعر ما علاقته بحبيبته فهذا لا يشرع له حمل القارئ إلى المخدع أو يختار من اللغة بذيئها.

هل هناك موضوعات ترفضين الاقتراب منها.ليس خوفا بل قناعة؟
بالنسبة إلي فإنني أرفض رفضا قاطعا الأدب الأيروتيكي وما ينجر عنه من إسقاط لبراقع الحياء التي سترنا الله بها تحت مسمى الجراة والتحرر.ارفضها قناعة مني بكونها عجزا عن إيجاد الأفضل من الصياغات والتعابير.كما أنني لا أقترب غالبا من السياسة لأنني باختصار لا أعرف دواليبها وما تخفيه من خبايا.

بعيدا عن الكتابة ماهي الهوايات الأخرى التي تمنحك توازنا داخليا.
من هواياتي التي كبرت معي منذ مراحل الدراسة الأولى العزف على آلة الكمان وتقريبا تركتها لعدم توفر الظروف الملائمة والرسم كان في البداية ممارسة متواضعة وتحول مع العمر إلى قراءة نقدية للأعمال التي تشدني إليها مثل لوحة الجرنيكا لبيكاسو او لوحة الغسالة للرسام دومييه. وغيرهما.
أما الهواية الحالية فهي الطبخ هههه

كيف تعيش فاطمة محمود سعدالله يومها العادي لما تكون غير منشغلة بالحرف؟
ككل أم عربية.تستيقظ لتعد فطور الصباح لأهل البيت ، فالمطبخ إذا هو المحطة الأولى.ثم تبدأ رحلة الطواف بين الغرف للترتيب والتنظيف ليليها الحمام المحطة الثالثة لغسل الملابس
ثم عودة إلى المحطة الأولى المطبخ لطهي الطعام. والإشراف على حفلة الأكل وشطف المواعين وللعلم فإن للمطبخ نصيب الأسد من الوقت . لأصل في النهاية إلى الصالون وهو محرابي الذي أؤدي فيه الصلوات وأركن فيه إلى تلاوة القرآن والذكر. وينتهي هذا السفر بين الغرف عند محطة أخيرة .غرفة النوم .ليس دائما للراحة ولكن ربما يتحول وقت النوم للقراءة او الكتابة.


هل تشعرين أن الكتابة أنصفتك ام أخذت منك أكثر مما اعطتك.؟
على حسب مفهوم العطاء.إن كان العطاء ماديا و الكاتب يحتاج إلى العوض المادي. لم تنصفني الكتابة لأن المال يحتاج إلى التسويق والتسويق يحتاج إلى الدعاية وإلى أصوات تساعد على الترويج.
لكن إذا اكتفينا بالمفهوم المعنوي والروحي للعطاء فإن الكتابة انصفتني إذ سمحت لي بالخروج من شرنقتي ومعانقة العالم ولو نسبيا.لم أحظ بالشهرة الكبيرة ولكنني أحمد الله وبفضل الكثيرين خرجت من حدودي الضيقة ووصلت مؤلفاتي إلى بعض البلدان العربية والغربية مثل مصر والعراق والجزائر والمغرب والسعودية وليبيا وكذلك فرنسا وبريطانيا وبولاندا.
واعتبر نفسي محظوظة بما حققت.والحمد لله.

لو لم تكوني كاتبة أي طريق كنت ستختارين؟
الكتابة بالنسبة إلي ليست اختيارا فمهما كانت وظيفة الفرد إذا كانت لديه الموهبة والشغف فإنه سيكتب. وأحسن مثال لدينا العلماء/الأدباء مثل ابن سينا وابن رشد والبيروني وغيرهم وبالتالي فإن قدري الكتابة فكتبت.



ما أكثر سؤال صحفي لم يطرح عليك وتتمنين لو طرح؟
في الحقيقة أسرة التحرير كفّت ووفّت .لكن هذا لا يمنع أن أشير إلى بعض القضايا التي تشغل المثقف عموما.مثل وضعية الأديب في مجتمعاتنا العربية .وعلاقة الكاتب بدور النشر وما يتعرض إليه من استغلال .كذلك إشكالية الفضاء الأزرق في فتح المجال على مصراعيه امام السرقات الأدبية والمتطفلين على الأدب

✦كيف ترين نفسك بعد عشر سنوات على مستوى التجربة والاختيار الأدبي.؟
بعد عشر سنوات؟ في السؤال كثير من التفاؤل.لا أراني سأكون موجودة بعد عشر سنوات. وإنما أتمنى أن أكون قد ساهمت في الحياة الثقافية العربية عموما والتونسية خصوصا وأكون قد تركت بعدي بصمة تكون منارة للأجيال.

ما النص الذي ترينه الأقرب إلى روحك ولو لم يكن الأشهر؟
في الواقع كثير من قصائدي عندما أعود إلى قراءتها أحس تجاهها بتواشج قوي قد يصل أحيانا إلى الفرح بأنها لي.
لكن أقرب النصوص إلى روحي بين كل ما كتبته قصيد "حلم أمي" وقد حظي بالترجمة إلى عشر لغات تقريبا منها الفرنسية والانجليزية والكردية والأمازيغية والألمانية والتركية والفارسية وغيرها.

ماذا تقولين للكاتبة الشابة التي تخاف من أصوات الإحباط والتقليل؟
أقول لها أن تتكون جيدا قبل أن تكتب وتتعرف على تجارب المبدعين السابقين.وبعدما تشرع في الكتابة عليها أن تكون أول ناقدة لما تكتب ولا تغتر.عندها لن تهتز لها شعرة تجاه من يحاولون التقليل من عملها أو يبثون فيها الإحباط والإحساس بالفشل لأنها تحصنت قبل أن تواجههم بالثقافة والمعرفة اللغوية واكتسبت الثقة والتواضع فلن يؤثر فيها المحبطون والحاسدون.

لو التقيت فاطمة محمود سعدالله في بداية الطريق ماذا ستقولين لها؟
لو التقيتها في بداية الطريق للمتها كثيرا على التأخر وإضاعة سنوات كثيرة من العمر فارغة دون إبداع و لحثثتها على الإسراع بالبدء .لأن من يبدأ باكرا يصل باكرا..

أخيرا ما الكلمة التي تختصر طريقك إلى الكتابة: خلاص..مقاومة..حب..قدر؟
في الحقيقة الكتابة محيط مترامي الأطراف يصعب حصره في كلمة لذا ربما أراها قدرا يضعنا في أول درجة من سلم الخلاص ولن يتحقق الصعود والتحرر إلا بالحب والصراع والمقاومة.
أجدد شكري لكم على هذه الجولة الممتعة في بستان الأسئلة المثمرة.
__________________________________________

مع آخر الأسئلة، لا نشعر بأن الحوار انتهى، بل كأن فاطمة محمود سعدالله تركت الباب مواربا، كما تفعل دائما مع نصوصها. فهذه الكاتبة التي ترى الكتابة خلاصا ومقاومة وحبا وقدرا في آن واحد، لا تعلن وصولا ولا تدعي اكتمالا، بل تؤمن بأن الأديب حلقة في سلسلة طويلة، وبأن البصمة أهم من الضجيج، وبأن الأثر الحقيقي لا يقاس بالشهرة بل بقدرة النص على أن يكون مرآة للإنسان أينما كان.

من "حلم أمي" الذي عبر اللغات، إلى صمت إبداعي تحايلت عليه بالوقت المسروق من النوم، ومن نقد واجهته بالتجاهل، إلى يقينٍ بأن الأدب قادر إذا صدق على إحداث التغيير، تتجلى أمامنا تجربة ناضجة لا تبحث عن الاعتراف بقدر ما تصنع مبرراته.

نغلق هذا الحوار ونحن أكثر اقتناعا بأن الكتابة، كما تراها فاطمة محمود سعدالله، ليست ترفا ولا زينة لغوية، بل فعل حياة، وموقف، ومحاولة دؤوبة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الإنسان. وفي ذلك وحده ما يكفي ليمنح هذه التجربة مكانها المستحق في المشهد الثقافي التونسي والعربي.
سعدون التميمي















تعليقات