📁 أخر المشاركات

ظمأ الحروف - بديع الزمان السلطان

 

أطفأْتَ قلبَكَ باكِراً يا صاحبي ..
ونسيتَ ظِلّكَ والقصيدةَ جانبي

ورحلتَ مُحتَشِداً بحُزْنِكَ، خابئاً
أَرَقَ القصائدِ في عُيونِ حقائبي

وتركتَ لي ظمأَ الحُروفِ لشاعرٍ
في كَفّهِ اليُمنى خيالُ سَحائبِ

ورميتَ بالأقلامِ لي مُستودِعاً
سِرَّ "المُعَلِّمِ" في فُؤادِ "الطّالبِ"

أنا ظِلُّ حَرفِكَ بل صداكَ ورَجْعُهُ
"لن تعلوَ العَيْنانِ فوق الحاجبِ"!

أنا مُذْ قرأتُكَ شاعرٌ، ووجدتُني
في كلِّ سَطرٍ منكَ فِكرةَ كاتبِ

علّمتَني أنَّ القصيدةَ ثورةٌ
والشِّعرَ كُلَّ الشِّعرِ صرخةُ غاضِبِ

وهمستَ بي: الإنسانُ يحيا مرّةً
فاختر حياتَكَ مِن سُطُورِ تَجارِبي

والشَّاعرُ الإنسانُ ليس بطامعٍ
أو مادحٍ أو راغبٍ أو راهبِ

هو صوتُ كُلِّ الثّائرين، ولثغةُ
البُسَطاءِ في هذا الزّمانِ الكاذِبِ

ودَّعتَ "غارَكَ" قبل آخرِ ليلةٍ
وفتحتَهُ للقارئين.. بلا "نبي"

ثُمّ امتطيتَ جوادَ عُمْرِكَ مُسرِعاً
ولقيتَ مَوْتَكَ واقِفاً كمُحارِبِ

غادرتَني "صِفْرَ اليَدَيْنِ" وها أنا
أُحصي بصفرِ يديكَ كُلَّ مكاسبي

واخترتَ مَوْتَكَ مثل عَيشِكَ خالِداً
فـ لِمِثْلِ مُوْتِكَ فلْتُشَدُّ ركائبي

فالأرضُ تنقُصُ حين يهوي شاعرٌ
مِن أُفْقِ ليلتِها كنجمٍ ثاقبِ!

يا شاعرَ العَربِ الكبيرَ ولا أرى
"عَرَباً"، تعجَّمَ كُلُّ شيءٍ عارِبِ!

يا شاعرَ "اليمنِ السّعيدِ" ومالَهُ
إلا اسْمُهُ... بشقائهِ المُتَعاقِبِ!

يا "حاتمَ الشُّعراءِ" طَوعُ بَنانِهِ
بحرُ "الطّويلِ، الكاملِ، المُتَقارِبِ"

هَبْنِي "البسيطَ" فقد أتيتُكَ باسِطاً
في ضِفّتَيكَ جداولي وقواربي

يا شاعرَ الفُصحى أعرني لحظةً
لُغَةً أُدَوْزِنُها بصوتي الشّاحبِ

وامنح فمي شجرَ الكَلامِ مُعاتِباً
قَحطي الأسيفَ.. فأنت خيرُ مُعاتِبِ.

بديع الزمان السلطان

تعليقات