📁 أخر المشاركات

فاطمة مغيربي: حين يصبح الشعر خلاصاً في زمن التهميش - حاورها سعدون التميمي

 فاطمة مغيربي: حين يصبح الشعر خلاصاً في زمن التهميش - حاورها سعدون التميمي


ليست فاطمة مغيربي اسماً عابراً في دفتر الشعر، ولا ظلاً لغوياً يمرّ على الورق ثم يختفي. إنها حالة شعرية تمشي على قدمين، امرأة تكتب لأنها لا تستطيع إلا أن تكتب، وتقاوم لأنها لم تمنح ترف الصمت.
في هذا الحوار الخاص، لا نقترب من شاعرة تبحث عن الأضواء، بل من روح تعيد تعريف الشعر بوصفه خلاصاً شخصياً، وفعلاً إنسانياً، وتمرداً ناعماً على التهميش والعزلة.
من مرآة الصباح حيث تطل طفلة الياسمين، إلى أسئلة الإبداع، والخذلان الثقافي، والقصيدة التي تطرق الأبواب بلا مواعيد، تفتح فاطمة مغيربي قلبها وكلماتها لقراء مجلة بويب الثقافية، بلا أقنعة ولا مساحيق لغوية.
هو حوار مع امرأة تؤمن أن الشعر قدر جميل، حتى وإن كان موجعاً، وأن الكلمة الصادقة قادرة  رغم كل شيء أن تظل واقفة، شامخة، مثل شجرة في مهب الريح.

______________________________

حوار خاص مع الشاعرة التونسية المتميزة فاطمة مغيربي

مجلة بويب الثقافية
حاورها | سعدون التميمي




بعيدا عن الألقاب والجوائز، من هي فاطمة مغيربي كما تراها هي حين تنظر إلى المرآة في صباح هادئ؟
حين أنظر في المرآة أراني الأجمل رغم ما فعله الزمن أراني الأقوى وان كنت في منتهى الهشاشة أراني الأسعد رغم كم الاحزان بداخلي لأني لا أرى صورتي التي في المرآة أنا أرى الطفلة التي تطل من شرفة ياسمين بعينيا

متى أدركتِ لأول مرة أن الشعر ليس هواية عابرة، بل قدر يكتبك بقدر ما تكتبينه؟
حين بدأت الكتابة كنت أرغب في الكتابة وأنا سعيدة كطفل يرسم صورة يهديها لأمه بكل ذلك الشغف والهوس
لكن شيئا فشئيا وجدت الكتابة قدر يكتبني فاستسلمت طوعا لقدري الجميل

ما اللحظة أو الحادثة التي شكلت المنعطف الحقيقي في حياتك الأدبية؟
الحادثة التي شكلت منعطفا حقيقيا في حياتي الأدبية هي الكتابة في صفحتي على الفيسبوك حيث كنت قبلها أكتب لنفسي فوجدت جمهورا رائعا يتابعني ويتفاعل مع ما أكتب فمنحني دافعا لاواصل الكتابة أو قل منحت بعض الشجاعة والجرأة لاكتب باكثر ثقة

من كان أول من تفاجأ بكِ شاعرة، وهل كان هذا الاكتشاف دعما أم صدمة؟
أول من تفاجأ بي شاعرة زوجي حيث كنت أقرأ له بعض النصوص فيعجب بها وشجعني على الكتابة في البداية

كيف تصفين علاقتك بالكلمة: هل هي صديقة، خلاص، أم معركة يومية؟
الكلمة هي خلاص وهروب من حياة لم اخترها اناسا لا أجد لنفس مكانا بينهم
فبالكلمة اصنع عالمي وحلمي

بين الحياة الشخصية والعمل، كيف توفق فاطمة مغيربي بين الإنسانة والشاعرة؟
بالنسبة لي فاطمة المغيربي الانسانة هي نفسها الشاعرة فاتعامل بقلب الشاعرة وروح الشاعرة حتى في العمل وفي التعامل معه الآخرين فاحيانا ابدو لهم غريبة ومن طينة اخرى

حدثينا عن طبيعة عملك، وكيف ينعكس (أو يتصادم) مع عالمك الشعري؟
في الحقيقة العمل وخاصة في بداية مشواري في التعليم أخذني العمل من فاطمة الشاعرة الى المعلمة المبدعة التي حولت دروسها الى فن فكتبت الاناشيد والمسرحيات والسكاتشات من أجل الحفلات المدرسية وكحصص تنشيط داخل قسمي ولم أكتب وقتها شعرا بمعنى الشعر كان العمل وتربية الأولاد همي الوحيد انذاك

ما الذي منحك الشعر إياه ولم تمنحك إياه الحياة؟
الشعر منحني كثيرا منحني الحب الحقيقي منحني الحرية والانطلاق بلا حدود وخارج حدود الزمان والمكان

هل تكتبين القصيدة حين تكونين في أقصى الفرح أم في أقصى الانكسار؟
اكتب في كل حالاتي القصيدة لا تنتظر المناسبات أو الحالات النفسية وحدها تقرع الابواب بلا مواعيد فأسارع إليها احتفاء

من أين تبدأ قصيدتك عادة: من صورة، وجع، فكرة، أم جملة مباغتة؟
قصيدتي مجنونة في معظم الأحيان فهي تبدأ احيانا من صورة مشهد طبيعي احساس داخلي واحيانا مجرد كلمة تكون قادحا لقصيدة تأتي بغتة وقد كتير مني بغتة اذا لم ادونها في الحال

لو عدنا إلى البدايات، كيف كانت أولى محاولاتك الشعرية، وهل ما زلتِ تحتفظين بها؟
في بداياتي كنت أحب مادة الانتاج الكتابي أو الانسان كما كنا نسميها وكان يدرسنا أستاذ يحب الاستشهاد بالابيات الشعرية فكنت احفظ الكثير واذا لم تكون ملائمة للموضوع أكتب أبياتا من عندي فكان يعجب بها ويشجعني قائلا"يوما ما ستكونين شاعرة" وكنت اطرب لذلك

ما الإدارات أو المؤسسات الثقافية التي احتضنت تجربتك وفتحت لك الأبواب؟
للأسف ما في إدارة أو مؤسسة تحتضن المبدعين في تونس وخاصة المغمورين أمثالي

ما الكتب أو الدواوين التي أصدرتها فاطمة مغيربي حتى الآن؟
اصدرت ديوانا وحيدا بعنوان "ثرثرة على شفاه الحلم"
وليس قصايد كثيرة اتمنى انشرها في كتب ولكن تجربتي الاولى مع النشر كانت تجربة مريرة فلم اكررها لظروف مادية ومعنوية

أي من نصوصك أو كتبك أقرب إلى قلبك، ولماذا؟
كل نصوصي أحبها كفلذة كبدي لأن لكل نص حكاية وأثر في وجداني
ربما هناك نصان هما الاقرب الأول بعنوان"طمن قلبك
ثمن قلبك ما عدت اشتاق
وما عاد دمعي على دفاتري يراق
النص الثاني " لا تكن منصفا يا سيدي القاضي

هل هناك نص شعري كتبته وشعرتِ بعده أنك خرجت مختلفة عمّا كنتِ قبله؟
هناك نص عنوانه "شموخ انكساري"
هذا النص فعلا علمني ألا ابدي للناس انكساري مهما كان حبهم لي
فمن يحبني سيتغل ضعفي
ومن لا يحبني سيفرح لانكساري

كيف تقضين يومك حين لا تكتبين الشعر؟
لا يمضي يوم دون أن أكتب الشعر فان لم اكتبه على الورق أو على الهاتف فانني ادندنه في المطبخ أو في الحديقة أو أي مكان

ما طقوسك الخاصة في الكتابة؟ وهل تؤمنين بطقوس الإبداع أصلا؟
أنا لا أؤمن بطقوس الكتابة فالقصيدة تتبلور في ذهني أحاول ان اتجاهلها فتلح فاكتبها كما اتفق واينما اتفق أي محمل متاح المهم أكتب القصيدة قبل ان يلتهمها النسيان

حدثينا عن أبرز المهرجانات الأدبية والشعرية التي شاركتِ فيها داخل تونس.
للأسف أنا في عزلة عن المهرجانات والانشطة الثقافية بسبب ظروف ألا أنني من سنوات اسست مهرجانا في قريتي النائية ودعوتخامثر من 30 شاعرا وشاعرة وأسست (الوديان ممكلة الشعر) ألا أن الايدي البريئة عبثت بالمشروع فانسحبت

هل كانت لكِ مشاركات أدبية أو شعرية خارج تونس؟ وكيف استقبل صوتك هناك؟

ليس لي اي مشاركات خارج تونس

برأيك، هل يصل الشعر التونسي اليوم إلى القارئ العربي كما يستحق؟
الشعر التونسي لا يصل الى القارئ العربي كما يستحق لأن المشاركات تقتصر على فئة معينة دون غيرها وتعتمد على مؤهلات اخرى غير الإبداع والتميز الشعري

كيف تنظر فاطمة مغيربي إلى المشهد الثقافي والأدبي في تونس اليوم؟
المشهد الثقافي والادبي في تونس يدعو الى الفزع لأنه تسيطر عليه لوبيات مستحوذة على المشهد وهي فئة تتمعش من المهرجانات أما الشعراء الحقيقيون فهم مهمشون ولا احد يهتم لانجازاتهم الادبية

ما أكثر ما يزعجك في الساحة الأدبية، وما أكثر ما يمنحك الأمل؟
اكثر ما يزعجني في المشاهد الثقافي أنه أبعد ما يكون عن الثقافة
لكن دائما الأمل موجود ربما تستيقظ الثقافة الحقيقية وتثور على الاشباه المسيطرين على المشهد

هل تعتقدين أن الشاعرة ما زالت مطالبة باثبات ذاتها أكثر من الشاعر؟
لو على مواقع التواصل الاجتماعي فالمراة لها نصيب الأسد في التفاعل والمجاملات رغم التفاهة احيانا ولكن على الصعيد الابداعي أرى المرأة اصبحت الند للند مع الرجال وقادرة على مقارعتهم واثبات ذاتها

ما رأيك في تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الشعر والكتابة؟
تأثير وسائل التواصل الاجتماعي سلاح ذو حدين صحيح انه لها الفضل على المبدعين في نشر متاباتهم وعلى القارئ انها تقرب له النص ألا انها أصبحت تمثل خطورة سواء السرقات الادبية واستعمال الذكاء الاصطناعي في الكتابة الابداعية والنقد

هل يمكن للقصيدة أن تغيّر وعيا أو تصنع فرقا حقيقيا؟
طبعا القصيدة رسالة فأنا ان تغير وعيا أو تصنع واقعا اكثر نضجا
القصيدة عبر ودروس وسلوك في قالب جميل يصل الى القلوب

كيف تتعاملين مع النقد: هل تصغين إليه، تجادلينه، أم تتجاوزينه؟
أحب التقدم كثيرا واصغي إليه وافرح كثيرا اذا تناول أحد النقاد الكبار أحد نصوصي بالنقد البناء

هل هناك شعراء أو كتاب تركوا أثرا عميقا في تجربتك؟
منذ صغري كنت قارئة نهمة فلم ابق على القصص والروايات الرومانسية ولم اذر
أحببت كل الكتاب الذين قرات لهم وعشقت الشعر من نزار وجويدة ودرويش واحمد فؤاد نجم وغيرهم كثر وحتى شعراء مغمورين فأنا تغريني القصيدة ولا تغريني الاسماء
أحببت قصص نجيب محفوظ يوسف الشباب محمود تيمور المنفلوطي الدوعاجي الطيب صالح حنا مينة توفيق الحكيم محمد حسنين هيكل وووو

ما الحدود التي لا تقبل فاطمة مغيربي أن تتجاوزها في نصها؟
عادة أكتب بلا حدود ولكنني اكره الابتذال والسفاسف في النصوص
29. لو خيرتِ بين الصمت والقصيدة، أيهما تختارين ولماذا؟
لو خيرت يين الصمت والقصيدة أختار الصمت لأنه أبلغ قصيدة

ماذا تعني لكِ مجلة بويب الثقافية، وما رأيك في دور المجلات الثقافية اليوم؟
مجلة بويب باب كبير مفتوح لاحتضان كل المبدعين في شتى الميادين باب كبير في حجم قلب صاحبها الذي لا يكف عن تشجيع المواهب والاخذ بايدي المجتهدين تحياتي واحتراماتي لكل مجلة ثقافية هدفها الثقافة اولا وأخيرا

ما النصيحة التي تقدمينها لجيل اليوم من الكتاب والشعراء؟
يمكن أكون غير مؤهلة لنصح الكتاب والشعراء فلست ادعي في العلم فلسفة ولكن انصحهم وانصح نفسي بالاستمرار في الكتابة مع القراءة أقرأ كل نص يمر امامك فكل نص تقرأه تجني منه خبرات وتتعلم منه فنونا جديدة وافكارا جديدة تساعدك في بلورة تجربة فريدة

هل تؤمنين بأن الموهبة وحدها كافية، أم أن الطريق يحتاج ما هو أكثر؟
صحيح الموهبة هي الاساس لأن الكل يمتلك الكلمة يمتلك المعنى ولكن الموهوب ويرصفها في شكل فني يجعلها ابداعا ولكن الموهوب

ما الحلم الأدبي الذي لم يتحقق بعد في مسيرتك؟
الحلم الادبي الذي لم احققه بعد هو أولا طباعة كل قصائدي حتى لا تضيع على صفحات الفيسبوك
أتمنى أن تكون لي قناة يوتيوب أنشر فيها فيديوات إلقاء لقصايدي
أمنية اخيرة ان أكتب قصيدة تبقى خالدة عند القراء

لو كتبتِ رسالة قصيرة إلى فاطمة مغيربي في بداياتها، ماذا ستقولين لها؟
لو كتبت رسالة لفاطمة في بداياتها سأقول لها ماذا فعلت لك حتى رميتيني في جحيم الشعر وناره كأنك القيتني في اليم مكتوفا وقلت اياك إياك ان تبتل بالماء
أخيرا، ماذا تودّ فاطمة مغيربي أن يبقى منها في ذاكرة القارئ؟
أود أن أبقى في قلب ووجدان القارئ قبل الكتب

______________________________

في نهاية هذا الحوار، لا نغادر فاطمة مغيربي كما دخلنا إليها؛ نخرج أكثر امتلاءً بالأسئلة، وأكثر يقيناً بأن الشعر الحقيقي لا يحتاج منصّات كبرى ليكون عظيماً، بل يحتاج قلباً شجاعاً لا يخون هشاشته.
فاطمة لا تطلب من القارئ سوى أن يشعر، ولا تترك له سوى أثرٍ دافئٍ في الوجدان، يشبه قصيدة تقرأ بصمت وتبقى طويلاً.
هي شاعرة اختارت أن تكون وفية للكلمة لا للساحة، للقصيدة لا للضجيج، وللإنسان قبل كل شيء.
وفي زمن تكثر فيه الأصوات وتقل فيه المعاني، تظل فاطمة مغيربي واحدة من تلك الأرواح التي تذكرنا بأن الشعر… ما زال قادراً على أن يكون حياة.

سعدون التميمي






تعليقات