من مصبّ النفايات إلى منصّات الأدب: منير الجابري… صوت المهمّشين وحارس الحكايات الصامتة
في مشهد أدبي يتشكل بين الواقع القاسي وحلم الكتابة، يبرز اسم الكاتب والقاص التونسي منير صالح الجابري كأحد الأصوات السردية التي شقّت طريقها بعصامية نادرة، ومثابرة صنعتها التجارب القاسية بقدر ما صاغتها المطالعة وشغف الحرف. من ربوع "برقو" بسليانة خرج صوتٌ ينحاز للمهمّشين، ويعيد إلى السرد دوره الأصيل في نقل نبض الناس وآلامهم وأحلامهم.
منير الجابري، الذي جمع الكتب من مصبّ للنفايات ليحوّل وحدته الليلية إلى ورشة كتابة، أصبح اليوم اسماً لامعاً على صفحات المجلات العربية وفي النوادي الثقافية التونسية. بين القصة القصيرة والهمّ الإنساني، وبين لغة بسيطة تُخاطب الجميع وفلسفة تنبع من التجربة، يفتح لنا الجابري قلبه وحكايته في هذا اللقاء الذي يكشف الكثير عن رحلته، صناعته للنص، ورؤيته لمستقبل الأدب.
___________________________________
حوار خاص مع الكاتب التونسي القدير "منير صالح الجابري"
1. بدايةً، كيف يقدّم منير الجابري نفسه للقراء؟ وما اللحظة التي أدركت فيها أنك تنتمي لعالم القصة؟
الكاتب والقاص منير صالح الجابري. عصامي التكوين. أصيل معتمدية برقو ولاية سليانة تونس. ناشط بالمجتمع المدني. عضو باتحاد الكتاب التونسين. عضو بالاتحاد الجهوي للمكفوفين سليانة. _صدرت،لي مجموعات قصصية بعناوين مختلفة منذ سنة 2019 حكايات غرقي معزوفة لاصابع الماء وحكايات وفي قلبي عيناها ووطن. نشرت قصصي في عدة مجلات وصحف ٠عراقية ٠مصرية وجزائرية _اهم المنابر الأدبية والثقافية الي مررت بها. نادي توفيق بكار للسرد. حديث كتاب قناة الإنسان تونس. كما نشرت عديد المواقع الإلكترونية ٠اللحظة التي جعلتني انتمي الي عالم الاقصوصة بعد الثورة قمت بفتح حساب علي الفيس بعنوان اقاصيص منير الجابري وكتبت فيها كل قصصي ولم اتوقع الصدى الذي وجدته تلك القصص لذلك اتجهت الي دار نشر وبدأت في إنجاز الكتب الخاصة بي٠
2. ما الذي دفعك لاختيار فن القصة تحديداً؟
وماذا يمنحك السرد القصير من فضاء لا تجده في الأجناس الأدبية الأخرى؟ اختياري للقصة القصيرة لم يكن نابع من فراغ. بل نابع من فلسفة خاصة وذلك يعود القدرة القصة للوصول للمتابع بسرعه ٠ولا تتطلب مجهودا طويلا للوقوف عندها ٠يمكن للقارئ ان يطلع عليها في جلسة قصيرة ٠ قصصي تجمع بين السرد العميق والنظرة الفلسفية لحالات انسانية مختلفة. تواجه شخصيات القصص أقدار مؤلمة وظروف صعبة كأنها تسبح في معاناة لا تنتهي. كما لا يفوتني التعبير عن الصراع الداخلي لأبطال القصص حيث يمرون بمشاعر متناقضة ٠تلتقي حينا في الرغبة في الحياة والتمسك للوصول إلى هدفه. واحيانا الاستسلام للواقع المرير ٠ابرز معاناة الطبقة الكادحة حين تتعرض التأثيرات الطمع والاستغلال الأجنبي. وحلمها في التخلص والهروب من دائرة الفقر (الهجرة عبر البحر وماسيها) وذلك من خلال سرد بسيط وواقعي مكنني من التعبير عن أصوات الطبقة المهمشة و المنسية. بفضل إبراز قضايا اجتماعيه عميقة وكان للمرأة نصيب الأسد في لعب دور البطولة في قصصي وذلك اليماني بدورها المحوري في الحياة الاجتماعية وقدرتها في تغيير حركة المجتمع الذي تنتمي اليه على تغييره ٠وبالتالي يمكن الوصول إلى نقطة الضوء في آخر النفق. لان الشخصيات الرئيسية تتشبث بالحياة حتى في اللحظات الأكثر ياسا وذلك بجعل البطل يواجه نفسه عبر جسر فهم اعماقه بطرح اسئلة حول التصالح مع الذات وذلك بفضل الاقصوصة التي تتميز عن الرواية بالحبكة الواحدة وشخصية رئيسية تخوض تجارب وعراقيل تتطلب منها مواجهتها للوصول إلى حل٠
3. كيف كانت بداياتك الأدبية؟ وهل صادفت تحديات في دخول الوسط الثقافي التونسي؟
كان شغفي بالمطالعة والكتابة منذ فترة الطفولة. أثناء فترة الثمانينات من القرن الماضي. تتلمذت على يد مربي فاضل وكان الكتاب لا يفارقه في كل الأوقات ٠من هنا قدحت شرارة شغف المطالعة. التي ظلت تضيء فينا ولم تتاكل مع مرور الزمن ٠ لعبت الصدفة دورا مهما في حياتي قادني القدر، للعمل بمصب نفايات حارسا بالليل. كانت فرصتي الذهبية لجمع الكتب من النفايات وعدت بقوة لهوايتي المطالعة ٠كانت انيسي في وحدتي في العمل فكتبت قصصا كثيرة ٠ الوسط الثقافي في تونس معجب بتجربتي وتبقى الإشكالية في ترويج المنتوج الأدبي٠
4. أي عناصر تعتبرها الأهم في بناء قصة ناجحة: الفكرة، اللغة، الإيقاع، أم الشخصية؟
ولماذا؟ من اهم العناصر لبناء أقصوصة ناجحة في تجربتي. الأدبية هي الفكرة والتعبير عنها بلغة بسيطة وسلسة. تتمحور حول شخصية رئيسية. تعيش التهميش وعلى قارعة النسيان. الا انها تحمل رؤية عميقة واحلام كبيرة تمكنها من تجاوز كل الحواجز والعراقيل بثبات وتحد لتحقيق ذاتها و أهدافها المنشودة.
5. ما الموضوعات أو القضايا التي تستحوذ على كتاباتك؟
وهل تتعمد أن تحمل قصصك رسائل اجتماعية أو إنسانية؟ كتبت قصصا كثيرة تهتم بالإنسان أينما كان. وتعبر عن المهمشين. الذين لا يجدون صدى لصوتهم. فكان النبش في قضايا مختلفة منها اجتماعية عميقة مثل الهجرة السرية وقوارب الموت. التي كان الناس وخاصة الشباب يلتجؤون إليها. كوسيلة للخلاص او الهروب من جحيم الفقر والحروب خاصة شباب القارة السمراء. كما كتبت قصصا عن الحب وكيف يمكن، ان يتحول احيانا الي خذلان. حتى أبرز الصعوبات والتعقيدات التي تواجه العلاقات الإنسانية٠
6. كيف ترى موقع القصة القصيرة اليوم في تونس؟
وهل ما زالت قادرة على منافسة الرواية في ظل موجة السرد الطويل؟ يمكن القول دون تردد ان كتابة القصة القصيرة في تونس لاتزال تحتل مكانة هامة. ٠ولا يمكن زحزحتها عما تبوأته من منزلة متقدمة ٠ذلك ان كتاب القصة في تزايد و اعمالهم تجد اهتمام نقدي ذو شان ٠ربما مرد ذلك. ان كتابتها لا تأخذ حيزا زمنيا طويلا عكس الرواية ٠وربما أيضا ميل الكتاب الي تنويع مواضيعهم ٠فهم من هذه الناحيه يجدون حيزا أوسع في تنويع القضايا المطروحة بينما تنحو الرواية الي تقييدهم بموضوع بعينه٠اذن لا زالت القصة القصيرة قادرة على منافسة الرواية وتثبيت اثرها، في المشهد الثقافي سيما جمهور القراء يقبل بشكل متزايد، لأنها تستجيب للايقاع السريع في وقتنا الراهن٠
7. يُقال إن الكاتب ابن بيئته… كيف أثرت التجربة التونسية—بواقعها وثقافتها وتاريخها—على عالمك القصصي؟
الساحة الثقافية و الفكرية في تونس تعج بالمبدعين الذين كان لهم دور ريادي في اثراء الساحة الأدبية والثقافية العربية ٠لذلك كان الاطلاع على تجاربهم ضروري لاثراء مشروعنا في الكتابة ومحاولة فهم تجاربهم حتى تكون الأرضية، الصلبة التي ننطلق منها، نحو الإبداع والابتكار والتميز٠
8. هل تستلهم أفكارك من الواقع اليومي أم من الخيال؟
وما أكثر موقف أثّر فيك وجعلك تكتب عنه؟ اكثر،الأفكار الرئيسة في كتاباتي تنطلق من الواقع اليومي الذي يعيشه الإنسان أينما كان ٠في السنوات الماضية أنهيت شغلي في السابعة صباحا وآتجه الي المقهى في طريقي وجدت فتاة في عمر الزهور تتسول وكان الطقس بارد جدآ جدآ ٠ولجت الي المقهى وطلبت قهوة و كتبت عنها أقصوصة لان مكانها الطبيعي هو المدرسة ٠الاانها تتسول٠
9. كيف تتعامل مع اللغة في قصصك؟ هل تميل إلى البساطة، الكثافة، أم الرمزية؟
اكتب بلغة بسيطة وسلسة حتى تصل إلى أكبر عدد ممكن من المتابعين وخاصة اليافعين الذين غادروا مقاعد الدراسة في سن مبكرة٠
10. ما الدور الذي لعبه القرّاء في مسيرتك؟
وهل تلهمك ردود أفعالهم في كتابة نصوص جديدة؟ للقراء دور محوري في كتاباتي وخاصة من الطبقة الكادحة من حين لآخر يفاجئني شاب في المقهى حين يقول؛ لقد اطلعت على اخر أقصوصة وشعرت كانك تعرف ما اعانيه انت كتبت عني ٠لذلك احاول الاهتمام بردو أفعالهم حتى تكون خير حافز لقصصي القادمة.
11. بصفتك كاتباً، هل ترى أن الأدب قادر فعلاً على تغيير المجتمع أم أنه مجرد مرآة تعكس الواقع؟
الادب من وجهتي نظري هو أرضية صلبة تتطرح فيها مشاكل المجتمع الذي ننتمي اليه مثل المسرح والسينما لهم نفس الدور في فعل التغيير في المجتمعات اذا احسنا اختيار المشاكل التي تمسه وتعالج مشاكله النفسية وتطرح معاناته الاجتماعية والاقتصادية وظروف حياته اليومية٠
12. هل لديك طقوس خاصة أثناء الكتابة؟ وكيف تعيش اللحظة التي تولد فيها قصة جديدة؟
الكتابة والمطالعة هي فعل يومي ودربة كالمسرح ٠اكتب عادة في المساء في المقهى بشكل يومي ٠الاحظ افكر ثم ننطلق في بناء أقصوصة وما ان نتهي منها نحس بشعور من السعادة والفرح لا يوصف لاني صعب جدا جدا مع نفسي اكتب واعيد ٠الفقرة اكتبها واعيدها لأكثر من مرة٠
13. ما مشاريعك الأدبية القادمة؟ وهل هناك مجموعة قصصية جديدة في الأفق؟
الان بصدد خوض تجربة جديدة في عالم الكتابة ٠هي محاولة في كتابة الرواية ان شاء الله ننجح ٠تهتم التنمر والسحر في المجتمعات العربية.
14. من هم الكتّاب الذين أثّروا في تجربتك؟
وهل هناك أصوات تونسية تعتبرها قريبة من روح كتابتك؟ طبعا المطالعة لمعظم الكتاب العرب َالروايات المترجمة للكتاب الروس واميل الي الأديب والكاتب والمبدع والمتالق الاستاذ فوزي الديماسي والمبدع والمتالق الدكتور الاستاذ ٠منذر المرزوقي.
15. أخيراً… ما الحلم الذي لا يزال يسكن منير الجابري في رحلته مع القلم؟
نعم لدي حلم كبير وهو الوصول إلى كل العالم العربي حتى يطلع على تجربتي البسيطة في الكتابة وربما اكون قدوة لكل المهمشين حتى يعتنقوا المطالعة ويمكن أن يعبروا عن طموحهم و مشاكلهم٠ وطبعا ككل كتاب نيل جوائز عربية ولما عالمية.
___________________________________
بين سطور حديثه، يتّضح أن منير الجابري لا يكتب فقط قصصاً؛ بل يوثّق حياةً كاملة بتفاصيلها الصغيرة، ويسرد ما يعجز الكثيرون عن قوله. هو ابن بيئته بقدر ما هو ابن الحلم، وحارسٌ وفيّ لقضايا المهمّشين، ولصوتٍ يصرّ على البقاء رغم كل ما واجهه من صعوبات.
يظل حلمه الأكبر ـ كما عبّر ـ أن يصل صوته إلى القارئ العربي في كل مكان، وأن يثبت أن الإبداع يولد أحياناً من قاع الألم، وأن الأدب قادر على تغيير حياة فرد… وربما مجتمع كامل.
بهذا الإصرار، وبهذه الرؤية الواضحة، يمضي منير الجابري في رحلته نحو كتابة أكثر عمقاً، وأفقٍ أوسع، ورواية جديدة قد تشكّل منعطفاً جديداً في مسيرته الأدبية.
.jpg)







اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع