📁 أخر المشاركات

الشاعر عبدالله السمطي "بين رقصة الباليه والبحث عن وجع العالم" - وجدان عبدالعزيز

 



الشاعر عبدالله السمطي "بين رقصة الباليه والبحث عن وجع العالم"
وجدان عبدالعزيز

عبد الله السمطي .. ولادته محافظة قنا بمصر العربية , و نشوءه في العاصمة القاهرة..
اهتماماته : الشعر , النقد , الصحافة ، وحينما اعطيت لنفسي الجواز للحديث عن شخصية عبد الله السمطي الشعرية خاصة ، وجدتني منساقا الى تشخيص القصدية في اشعاره ، فهي تعني الموضوعية في احكامها على نص لغوي .. اذن هي محل اشتراك بين النص ومبدعه ومتلقيه في مجالاتها الادبية ، ففي اللغة نجد ان عناصر هذا الموضوع تتعلق بمنشأ الحرف والتعاقبات الصوتية وما تنتجه من ألفاظ وفق تسلسل معين وعلاقة الدلالة بالمدلول .. الخ ، وهنا لاتوجد عصمة للنص، فالتطابق بين "الدلالة والمدلول" وهو جوهر "القصد" في اللفظ بكل ما ينتج عنه من قواعد تضبط فهم اللفظ وبالتالي العبارة وانطباق مفهوم "النظام" القصدي على النصوص لا يمكن أن يطبق بحذافيره ، إلا على نص معصوم لأنتفاء الذاتية مطلقاً في كل الموضوع ..إذن يمكن للآلية القصدية أن تعمل في هذه النصوص بكل هدوء وذلك لاكتشاف الحكم الموضوعي في أي نص معصوم، ثم اجد أن أحد طرفي المعادلة ثابت ، وهو انتفاء الذاتية في النص ، وقصدية النظام الواحد في مجمل النصوص المعصومة الشريفة ، فليس على الباحث القصدي إلا التأكد من نفي ذاتيته في اكتشاف الحكم الموضوعي في القضية التي يتناولها النص.. من هذا التوصيف قد اجد نفسي في مأزق نفي الذاتي وهو ظاهر ، لكن في الباطن اجد الذاتي ، قد ترفع وجعل ذاتيته ممزوجة بالموضوعية ، ولهذا ستكون قصيدة (مذكرات راقص باليه) للشاعر عبد الله السمطي انموذجا في استحضار ذات الشاعر الذائبة في موضوعة القصيدة ، ونجدها قد حفلت بموضوعات النقد الثقافي الذي تعامل مع المهملات وشملها بكراسي الصف الاول من احتفالية النقد في النصوص .. مما يدلنا على ان اللغة «شكل من أشكال الوجود. وكلّ معرفة بهذا الوجود إنما تؤدي إلى إعادة فهمنا للّغة نفسها... أن يكون الإنسان موجودا معناه أن ينطق ويتكلّم، ويدلّ ويرمز، كما يفكّر ويتأمل، ويستدلّ ويبرهن، بل معناه أنّه لا يمكن أن يفكّر ويتأمّل إلا عبر اللغة». وبهذا فان المقصدية الظاهرة عند هوسرل تعبر عن خصوصية الوعي باللغة، وجعلها شأنا من شؤون هذا الوعي. وهي أدخل في الدلالة على حال الأنا عند اليقظة بوصفها حالا نموذجية لوصف حياة الوعي، كما أنها أقرب للدلالة على ما بين الذات المتحدثة واللغة من قرب وتدانٍ. فالأمر لا يتعلّق بالكلمات في حدّ ذاتها، بل بكونها غرضا للنظر، حيث يكون إنجاز الفعل آية على حضور الأنا قرب الموضوع الذي هو موضوع مقصدي .. فجعل من اقدام راقص الباليه حضور ، قد ارتبط بعلة معينة لها دلالة ظاهرة واخرى مختفية اكتسبت وجودها بالظاهري الدال .. فالرقص ظاهرة حركية مرتبطة باقدام الراقص .. حولها الشاعر الى مساحة للبحث عن حقيقة كامنة في الحركة ، لذا قال السمطي :
(أزنُ العالمَ في قدميّ
الرقصُ بلادٌ أو منفى
سيان
أن تصلَ الوهم بإيقاع يتخاصرُ بالأحزانْ
أن تقفز أعلى
حين تنقب في وجع الدنيا عن عنوانْ)
وهنا لايتوانى ان يُحمّل حركة الرقص دلالات اخرى ، تتسع لها رؤياه الشعرية ، فيذوب في رقصة ظاهرها حركة منظمة ذات ايقاع ، غير ان باطنها يحمل حزنا مضمخا بالوجع وبالتالي خلق جُملة من الاسئلة ، وهذا ما جعلني اميل مع «هوسرل» في تناوله للإشكالية التأويلية بنقل مفهوم التحليل إلى سياق يصبح فيه موضوع التحليل القصدي ، هو كشف الممكنات الثاوية في الوعي، كشف غرضية الشرح والتبيين والإيضاح لكل ما هو مقصود من جهة الوعي. وبمطابقة قصدية الوعي للتحليل القصدي مطابقة صناعية ومنهجية صارمة جعل «هوسرل» فلسفته الظاهرية فلسفة المعنى، أو فلسفة تأويل المعنى من جهة التحام الفكر بنفسه. فرقصة الباليه التي يؤديها راقص الباليه في العنونة ، رقصة ظاهرة المعنى مهملة تقريبا ، وبعيدة عن التأويل ، لكن المتن حرك مهملها الى تأويلات ، هي محل اشتراك بين النص ومبدعه ومتلقيه في مجالاتها الادبية ، فالشعر عند السمطي حضور وعي في مجالات الحياة كافة ، واحساس منفعل بين الغياب والحضور .. بين رقصة الباليه والمعنى المتوالد بين تلك الحركات التي تزن العالم في رؤية الشاعر ، فـ(في ضوء تطور الفكر الانساني واتساع افاق المعرفة في البحث عن ماهية الذات والوجود وسبر اغوارها في مدى ارتباطها باحداث عصرها المتحرك وظواهر واقعها المتجدد ، برزت مفهومات في الثقافة الادبية تحاول الربط بين التجربة الادبية واثر المجتمع والاحداث فيها . فالثقافة الادبية ، على سبيل المثال ، هي جزء فعال من ثقافة بيئة انسانية او مجتمع بشري ، وهي في الواقع حصيلة اجتماعية للافكار الانسانية والحرف والمعتقدات والعادات ، مهما كانت تلك الثقافة بدائية او معقدة حضارية جامدة او متطورة . فالتراث الثقافي له القدرة على الحركة والتطور والانتقال من جيل الى جيل . ولابد في مثل هذه الحالة من وجود بعض المناهج والحركة في كل ثقافة .. لاننسى ان تطور المعرفة والقيم الاخلاقية ، هو جزء لايتجزأ من مفهوم الثقافة . فالخصائص الثابتة لأية ثقافة تنعكس عادة على التجربة الادبية التي تولد بين احضان الذات والروح الجماعية. لذا فان نسق العمل الادبي الذي هو في الواقع نسيج التجربة الادبية من الناحية الفنية ، يمثل الادب في مفهوم المعرفة الانسانية وفي حكم القيمة لأنه ، أي النسيج الادبي ، جزء من خبرة القاريء)3 ، وهكذا الشاعر السمطي يؤكد ذاته في خضم الثقافة العولمية ، بتأكيد ثقافتة المتجذرة من خلال تجربة ذاتية وقيم اجتماعية ، وعناق هذا حرك المهمل باتجاه المعنى المشترك بينه وبين المتلقي .. يقول خاتما قصيدته (مذكرات راقص باليه) :
(في " الباريّ" أمدّدُ أعناق الأشياء وأعماق غموضي
أغزل أطرافي شكلا للريح
وأرمي في جسدي الأوبراليّ غيوما
أو أمطارا من ألحانْ
" آنا بافلوفا" تعشق صورة خطواتي
خلف ستار
أو خلف البركانْ
قابلتُ صديقي " تشايكوفسكي"
منكسرا خلف " البولوشوي"
في وجه من ريش البجع الأبيض
يتطايرُ فوق الجدرانْ
كان يحدثني عن قمر ضال
كنت أحدثه عن قلبي المتزمل بالطوفانْ
كان يشيرُ هناك.. هناك
إلى وتر من برولوج خطاه
وأنا أنقش في همهمة الوعي خيال: الآنْ
يا " باليرينو"
يمحونا الوقت
ويخلقنا الرقص
فمن يتبقى منا؟
من يتبقى من لغة الإنسان؟!)
وبهذا قد عمق تجربته من خلال تناصات عديدة وايقاعات رقصة الباليه ..
ـــــــــــــــــــــــ
كتاب (التحليل النقدي والجمالي للادب) الدكتور عناد غزوان / دار افاق عربية للصحافة والنشر بغداد 1985م ص73ـ74
تعليقات