ملحمة راتب شهريّ
كلمة تختصر كلّ ما تبقّى
من كرامة في جيب المواطن ..
ذلك المخلوق الذي يعيش بين الحلم والفاتورة
ويحسب الأيّام على أصابعه
إنّ الرّاتب الشهريّ ليس مالا ..
بل هو علاقة عاطفيّة مع التاريخ البنكيّ
كلّ شهر نحبّه .. كلّ شهر نخاف منه ..
كلّ شهر نقسم أنّنا سندبّر الأمر
ثمّ نكتشف أنّ الأمر هو الذّي يدبّرنا ..
الراتب يأتي متثاقلا ..
يتلفّت حوله كجنديّ عائد من حرب خاسرة
يدخل الحساب وهو يعرج ..
يسلّم نفسه لفواتير الكهرباء والماء والكراء
ثم يصرخ .. نجّوني من الضريبة ..
لكن لا أحد يسمع ..
فالمصاريف تقف عند الباب بسكاكينها
والديون تصفّق فرحا بعودته
ثم تنقضّ عليه كضباع
تدير شركة تحصيل ..
يا راتبي العزيز ..
كم مرّة وعدتني أن تبقى أسبوعا ؟
كم مرّة خرجت من الحساب
قبل أن أشرب فنجان القهوة ؟
أنت أسرع من الضوء في السّفر
وأعجز من حلم في البقاء ..
حتى في البنك ..
تتعامل معك الأنظمة كزائر ثقيل
تحيّيك لثانية ..
ثمّ تخفيك تحت بند السحب الفوريّ ..
يا راتبي ..
لقد صرت مثل الأحلام المؤجّلة
تأتينا ناقصا وتغادرنا ناقصين ..
كلّ شهر نعيد نفس الطقوس القديمة
نقسم أن نوفّر .. أن نخطّط
أن نغيّر نمط الحياة ..
ثمّ نكتشف أنّ النّمط هو من يغيّرنا
ويحوّلنا إلى عبيد لموعد الإيداع ..
الراتب عند الأغنياء أرقام تتكاثر بلا حياء
وعند الفقراء أرقام تتناقص بأدب ..
هو عند الأوّلين استثمار
وعند الآخرين استعارة ..
يقول الغنيّ ..
المال وسيلة لا غاية
ويضحك الفقير ساخرا
وسيلتك يا صديقي هي غايتي أنا ..
وفي النهاية ..
حين يرحل الرّاتب إلى مثواه الأخير
نقف له دقيقة صمت ..
ننظر إلى الجيب الخالي
ثم نقول بثقة المحاربين
الشهر القادم سيكون أفضل ..
ثم نضحك ...
معز ماني . تونس

تعليقات
إرسال تعليق
اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع