أحمد مطر: أيقونة الرفض التي لم يُنصفها وطنها
بويب | سعدون التميمي
يُعدّ الشاعر أحمد مطر واحدًا من أبرز الأصوات الشعرية في العالم العربي، خصوصًا في مجال الشعر السياسي الذي اتخذ منه ميدانًا لفضح مظاهر القمع والفساد والاستبداد. تمكن هذا الشاعر العراقي من صناعة أسلوب خاص به، يمزج فيه بين قوة العبارة وبساطة الأسلوب، ليُطلق قصائد تشبه "اللافتات" القصيرة التي تحمل رسائل مكثفة وساخرة، وتخترق الوعي الشعبي العربي بسهولة.
وُلِد أحمد مطر في مدينة البصرة جنوب العراق عام 1954، ونشأ في بيئة شعبية كانت غنية بالحياة اليومية بما فيها من تناقضات اجتماعية وسياسية أثرت لاحقًا في تكوينه الشعري. بدأ مطر كتابة الشعر في سن مبكرة، واتّجه منذ بداياته إلى نقد الواقع، فكانت قصائده الأولى مرآة لحياة المواطن العراقي البسيط وصراعاته مع السلطة.
واجه مطر ضغوطًا كبيرة بسبب جرأة نصوصه، ما دفعه إلى مغادرة العراق إلى الكويت، حيث عمل في صحيفة "القبس" وواصل كتابة قصائده اللاذعة. هناك التقى بالرسام الفلسطيني ناجي العلي، فجمعتهما صداقة فنية وإنسانية عميقة؛ إذ كان كل منهما يستخدم فنه كسلاح في مواجهة القمع.
وبسبب تصاعد الرقابة، اضطر مطر لاحقًا إلى مغادرة الكويت ليستقر في لندن، وهناك استمر في الكتابة والنشر منذ ثمانينيات القرن الماضي وحتى اليوم.
رغم مكانته البارزة في الشعر السياسي العربي، لم يحظَ أحمد مطر بالاهتمام الذي يستحقه داخل المجتمعات العربية، وخصوصًا في وطنه العراق. فبعد أن اضطر إلى مغادرته مبكرًا، أصبح حضوره في المشهد الثقافي العراقي باهتًا مقارنة بقيمته الفنية الكبيرة. وقد ساهمت عدة عوامل في هذا الإهمال، منها حساسية شعره السياسي، وهيمنة الخطابات الرسمية، إضافة إلى غياب مؤسسات ثقافية حقيقية تتبنى الأصوات الجريئة.
ومع ذلك، ما زال جمهوره الشعبي واسعًا، حيث يتداول الناس قصائده في الأزمات والمظاهرات، رغم غياب التقدير الرسمي والمؤسساتي له في وطنه والمنطقة العربية عمومًا.
يتميّز شعر أحمد مطر بمجموعة من السمات الواضحة، أبرزها:
اللغة المباشرة: فهو لا يلجأ إلى الزخرفة اللفظية، بل يقدّم رسائل واضحة تصل بسهولة إلى القارئ.
السخرية والتهكّم: وهما سلاحان دائمًا في كتابته، يستخدمهما لكشف تناقضات السلطة والمجتمع.
اللافتات قصيدةً: إذ اشتهر بتقديم قصائد قصيرة جدًا، لكنها مشحونة بالمعنى والغمز السياسي.
النَفَس الثوري: جميع كتاباته تقريبًا تحمل روح الرفض والدفاع عن الإنسان البسيط.
لم يتوقف أحمد مطر عن طرق كل ما يمسّ المواطن العربي من قضايا، فكتب عن:
القمع السياسي
فساد الأنظمة
غياب الحرية
معاناة الشعوب
التناقضات الاجتماعية
كما لم يغفل القضية الفلسطينية التي كانت حاضرة في معظم نصوصه.
ترك أحمد مطر أثرًا كبيرًا في الوعي العربي، إذ استطاع أن يجعل من الشعر أداة مقاومة يومية. وقد أصبح اسمه رمزًا للشعر الاحتجاجي، واستُخدمت قصائده في المظاهرات، وعلى منصات التواصل، وفي الأوساط الثقافية بين الشباب والكتّاب. ومع ذلك، يبقى غياب التكريم الرسمي له شاهدًا آخر على إهمال المؤسسات الثقافية العربية للشعراء الذين يقفون في صف الشعوب.
يبقى أحمد مطر صوتًا فريدًا في الشعر العربي الحديث، صوتًا يرفض الصمت ويُصرّ على أن يكون الشعر أكثر من مجرد كلمات جميلة؛ أن يكون نبضًا للحق وصرخة ضد الظلم. وبرغم سنوات المنفى، ما زالت قصائده حيّة تتداولها الأجيال، وكأنها كتبت اليوم لما تحمله من صدق وزخم إنساني وسياسي لا يفقد بريقه ،حتى وإن تجاهلتها المؤسسات الرسمية التي كان من واجبها أن تحتضن شاعرًا بهذا الحجم.
سعدون التميمي

اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع