نوال مسعودي
في زاوية هادئة من حياتها، جلست تعيد ترتيب ذاكرتها كما يعاد ترتيب بيت أُهمل طويلا، كانت امرأة تشبه البدايات الجميلة، مليئة بالعطاء، صادقة الحدس، تنفق من قلبها أكثر مما تنفق من وقتها، لكنها وقعت في حب رجل لم يدرك يوما قيمتها، ولم يفهم أن بعض النساء لا يطلب منهن سوى القليل من التقدير ليعطين الكثير من الحب.....عاشت معه أجمل الأوقات، أياما وليالي وشهورا، كانت تشبه الركض في طريق لا نهاية له، كلما حاولت الاقتراب، ازداد هو ابتعادا، وكلما منحت نفسها فرصة جديدة، منحها هو خيبة أخرى، لم يكن سيئا، لكنه كان غائبا دائما، غيابا موجعا، يجعل وجوده أثقل من وحدتها.
كانت تعلم في داخلها أنها تستحق كلمة تطمئن، حضنا يرمم، يدا تمسك بها حين تتعب، لكنها لم تجد ذلك بالوقت الصح، وجدت نفسها بدلا من ذلك تحارب لتثبت قيمتها لمن يتفادى رؤيتها ، وفي ليلة طويلة، اشتد الصمت فيها حتى بدا كأنه يمسك بأنفاسها، اتخذت قرارا لم تتوقعه حتى هي، أن تغير المكان… لعلها ترتاح.
حزمت حقيبتها كما تحزم أم ذكرياتها لتخبئها عن طفل قد يبكي، وضعت داخلها أشياء بسيطة، ثياب قليلة، كتابا تحبه، وبعض الأوراق التي كتبت عليها أحلاما أجلتها طويلا، أما ما لم تضعه، فكان أثقل ما حملت في حياتها، حبا لم يقدر، وقلبا أنهكه الانتظار.
سافرت بعيدا، إلى مدينة لا تعرف اسمها إلا من صور عابرة، لكنها تشبه الحرية، أرادت مكانا لا يعرف فيه أحد حكايتها، ولا يلمح في عينيها كسرة حاولت إخفاءها طويلا، مكانا تتعلم فيه المشي من جديد، دون ظله.. بينما كانت تتأهب للرحيل، التفتت للوراء، تنهدت ملء رئتيها، ثم قالت....وداعا أيتها الأمكنة ، ويا تلك التفاصيل التي كلفتني كرامتي .

اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع