حوار خاص مع الشاعرة و الأديبة اللبنانية ياسمين عبد السلام هرموش
حاورها | سعدون التميمي
في زمن تتزاحم فيه الأصوات وتتقدّم فيه الضوضاء على الحكمة، تظل بعض القامات الأدبية قادرة على إعادة الروح إلى اللغة، وعلى تحويل الكلمة من جملة عابرة إلى أثر باقٍ. من بين هذه الأصوات يبرز اسم الشاعرة والأديبة اللبنانية ياسمين عبد السلام هرموش، صاحبة الحضور الهادئ والقلم العميق، التي تمزج في كتاباتها بين جمال الروح ورهافة الإحساس، وبين الوعي والالتزام بقضايا الإنسان والوطن.
في هذا الحوار، تفتح ياسمين أبواب عالمها الداخلي، وتقصّ علينا حكايتها منذ الطفولة وحتى الوقوف على المنصّات الأدبية داخل لبنان وخارجه، لنقترب أكثر من التجربة التي صنعت شاعرة ترى في الكلمة رسالة ومسؤولية قبل أن تكون فناً.
1. من هي ياسمين عبد السلام هرموش بعيداً عن الأضواء؟
بعيدًا عن ضجيج العالم، أنا روحٌ تميل إلى السكينة. امرأة تؤمن بأن الوفرة الحقيقية تُبنى في الداخل، لا في الخارج. أكتفي بكتابٍ يضيء عقلي، وقهوةٍ تهدّئ خطوي، وصوت فيروز يعيد ترتيب عالمي. أعيش ببساطة، وأرى في الهدوء نعمة لا يدركها إلا من اختبر كثرة الأصوات حوله وداخلَه.
2. كيف تتذكرين طفولتك؟ وهل صنعت شاعرة اليوم؟
طفولتي كانت بيتًا دافئًا من الحنان، أسرةً تحتضن ولا تُقصي، وتربّي على المحبة قبل الكلمات. الشعر لم يكن قرارًا… بل سيرة تسري في دمي، إرثًا وموهبةً وهِبة، كأن اللغة كانت رفيقتي منذ البدء.
3. متى اكتشفتِ موهبتك؟ وهل تذكرين أول نص؟
كان أوّل نص أكتبه في مسابقة مدرسية عن لبنان الجريح… نصًّا صغيرًا بقلبٍ خجول، لكنّه حمل شرارة الوعي الأول بأن الكلمات قادرة على حمل وجع وطن.
4. متى تحوّلت الكتابة من هواية إلى رسالة؟
حين رأيت انهيار القيم في زمنٍ يعلو فيه صوت التفاهة أكثر مما يعلو صوت الوعي… أدركت أن علينا نحن أبناء الكلمة أن نقف في الصف الأول. أن نكون ميزانًا، وإشارة، ومسارًا. فالكلمة ليست زينة، بل إصلاحٌ وقدر.
5. من ترك أثرًا في ذائقتك الأدبية؟
نشأت على وهج المتنبي وروح الحلاج الاخطل وغيرهم من كبار الشعراء. لكنني، مع ذلك، سرتُ في دربٍ يخصّني، دربٍ اخترته بنبرةٍ تشبهني، وبصوتٍ لا يتقاطع إلا معي.
6. هل تكتبين وفق طقوس محددة؟
أستلهم كثيرًا من اللوحات الفنية؛ فهي نوافذ على عوالم لا تُرى. وأكتب غالبًا في أمكنة هادئة، فالصخب يبدد شجرتي الداخلية. الهدوء بالنسبة لي ليس ظرفًا… إنه شرطٌ لولادة النص.
7. ما المواضيع الأكثر حضورًا في كتاباتك؟
فلسطين تتصدر كتاباتي دائمًا.. فالظلم يوقظ في داخلي كلمة لا تهدأ. ومع ذلك، أكتب لكل ما أراه عميقًا، نبيلاً، قادرًا على أن يضيف قيمةً إلى روح القارئ قبل ذائقته.
8. حدّثينا عن إصداراتك الأدبية.
صدر لي ديوانا «الياسمين» و «قطوف الياسمين»، إلى جانب نصوص انتشرت وترجمت إلى لغات عدة. ولدي الآن مشاريع شعرية وسردية في طريقها للنشر، بينها روايات ومجموعات قصصية أعمل عليها بمحبة وصبر.
9. كيف تصفين أسلوبك الشعري؟
الرومانسية هي تاج الشعر، وفيها أجد نفسي. لكنني أؤمن أن البصمة الحقيقية تُخلق حين يترك الشاعر أثرًا، وحين يظل صوته ماثلًا في ذاكرة قارئه بعد انتهاء القصيدة.
10. ما مشاركاتك في لبنان؟
تردّدت طويلًا في دخول المهرجانات، لشغفي بالعزلة، لكن تشجيع الأهل والأصدقاء جعلني أشارك في ملتقيات ثقافية عدّة، وأقدم نصوصي على منصّات لبنانية مختلفة.
11. وماذا عن مشاركاتك الخارجية؟
شاركت في ملتقى ثقافي في تونس، ولدي مشاركة في عدة مسابقات خارج لبنان. وما زلت أرى أن الرحلة أمامي طويلة ومفتوحة على احتمالات جميلة.
12. هل هناك تجربة تركت أثرًا خاصًا فيك؟
المهرجانات لا تعنيني بقدر ما تعنيني الكلمة. أؤمن أن الشاعر يخلد بما يتركه في عقل قارئه لا في تصفيق الحشود.
13. ما الذي يميز حضورك الأدبي؟
ربما هي بساطتي وقربي من الناس. أرفض الغرور؛ فهو حفرة مظلمة يدفن فيها الشاعر موهبته بيده. أحاول أن أكون كما أنا: صادقة، واضحة، دون ادعاء.
14. كيف ترين المشهد الأدبي في لبنان اليوم؟
تراجعت هيبة الكلمة في زمن تسيطر فيه المحتويات الفارغة، لكنّي أؤمن أن الكاتب الذي يعرف طريقه يخلق أثره مهما ضاقت السبل. تتشابه الحروف، لكن الأسلوب يصنع الفارق… والجوهر هو العلامة.
15. ما دور وسائل التواصل الاجتماعي في حياة الأديب؟
وسائل التواصل نعمة حين تُستخدم لنشر الجمال والمعرفة، وهي سبب في ظهور كثير من المواهب اليوم. لكنها تتحول إلى نقمة حين ترفع ما لا قيمة له، وتُهمل ما يضيء. الأمر رهنُ الاستخدام.
16. هل تواجه الشاعرة تحديات مختلفة عن الشاعر؟
التحديات تختلف باختلاف البيئة والتربية، لكني أرى أن المرأة اليوم أكثر قدرة على التعبير، وأكثر تحررًا في عالم الأدب. الفرص باتت متقاربة، والمسار مفتوح لمن يريد أن يكتب بلا خوف.
17. كيف تتعاملين مع النقد؟
أرحب بالنقد البنّاء الذي يضيف للنص قوةً وعمقًا. أما النقد الجارح فلا يهمني. وحده القارئ يترك في نفسي أثرًا؛ لأنه هو المقصود الأول بالكلمة.
18. هل تستلهمين من حياتك الشخصية؟
نعم، دون قصد. فالشاعر يترك من روحه على الورق، لكنني لا أؤيد أن تتحول حياة الكاتب إلى مادة مكشوفة للجميع. يجب أن يبقى له سره، ومساحته الخاصة.
19. ما مشاريعك الحالية؟
أعمل على روايات وقصص قيد النشر، إلى جانب مشاريع شعرية جديدة سيقرأها الجمهور قريبًا. لدي خطط كثيرة، وكل عمل يولد في وقته المناسب.
20. ما رسالتك للشباب الذين يدخلون عالم الكتابة؟
أن يؤمنوا بأنفسهم. أن يكتبوا بلا خوف، لأن الشاعر لا يُصنع بالكتب وحدها… بل بالشعور. من يملك قلبًا صادقًا يصل، حتى لو لم يملك طريقًا ممهدًا.
تؤمن ياسمين بأن المستقبل لا يُمنح بل يُصنع، وأن الكلمة الطيبة قادرة على أن تخلق أثرًا لا تمحوه السنين. ومع مشاريعها القادمة، ووعدها الدائم بأن تقدّم أدبًا يليق بالقارئ وروحه، تظل ياسمين نموذجًا لشاعرة تحمل رسالتها بوعي ومحبة، وتمنح الشعر مكانته التي لا يليق أن تفقدها.







اترك تعليقا يدل على انطباعك ورأيك بالموضوع