القائمة الرئيسية

الصفحات

تأقلمت يراعتي مع لونٍ معيّنٍ تتلوّن به الصفحات ، لونٌ تقليدي بعيد عن الخيال لا بل مليء بالواقع والفتور ، حتى ما ان تاهت الكلمات انسدلت منه الحروف انسدالاً تلقائياً ضمن إطارٍ يحفظ بصمة خاصة . 
أراني اليوم أسرد قصة خيالية بأحداثها وشخصياتها ، من وحي اللقطات الحياتية اليومية ، لعلّها تكون نموذجاً تفصيلياً لعدة روايات ، بأحداث وشخصيات واقعية ، مختلفة باختلاف البشر وتجاربهم . 

من سنابل الخيال أصنع رغيفاً قد يسبب عسراً في الكلام لكنه منكّه بالعبر ، أطرح لكم عنواشرف النفس بإصبعٍ مقطوعة " .         

يُحكى في سالف الأوان والأزمان عن " قطر الندى " ، فتاة قروية حسناء ، ممشوقة القد ، ذي وجهٍ ناصعٍ كبُساقَة القمر ، جار عليها الزمان فنزعت عنها المدينة قسراً ثوب العفة الرثّ وانتهت ملفّعة بالحرير والمجوهرات . ومن لا يعلم فقطر الندى هربت من القرية بعدما سُرِقَ شرفها على يد من لا شرف له ، فاحتضنتها المدينة بعيداً عن مخالب الذكورية سارقةً هويتها . 
ومرّت السنون ودارت الأيام وعاد الحديث عن قطر الندى التي ذاع صيتها واشتهرت بثروتها وجمالها واحتكارها للهوى ، فما كان لأهل القرية سيرة سوى غسل العار والتخلص منها . كل تلك الأحاديث كانت تتململ في رأس والد قطر الندى حتى ما ان غوّر النهار انقضّ عليها كوحشٍ ينقضّ على فريسته ، فتلاشت صيحات استغاثتها لُهاثاً يجرّه أنين الموت … وغُسِلَ العار ! 
لم تنته القصة هنا اذ كان لا بد من دفن قطر الندى في مسقط رأسها ، الا ان اهالي القرية ابدوا رفضاً قطعياً في الأمر حتى كادت اوداجهم تنفجر من شدّة الانتفاخ ، فانتهت المفاوضات بصلاة اقل ما يقال عنها جنائزية بحضور الكاهن والوالد وعدد ضئيل من الاقارب . 
عند الدفن كانت قد نُزِعَت جميع الحلي والمجوهرات والملابس الباهظة عن قطر الندى ما عدا خاتمٍ نفيسٍ مرصّع بالألماس والزمرد ، كان يجذب نظرات الجميع ، بقي عالقاً في اصبعها . 
انتهت المراسم وحل الليلُ باسطاً هدوءه ، الجميع في سكونٍ تام ما عدا الوالد الذي ازدرد لقمة العشاء وراح يجول ذهاباً إياباً بخطوات غير متزنة . 
اشتدّ به السهاد تلك الليلة فقام من فراشه مسرعاً وفي عينيه بريق ذلك الخاتم ! فتسلّل من المنزل وانطلق نحو المقابر .. نعم الى المقبرة حيث ترقد قطر الندى بهدوء وسلام . كان المكان مليء برائحة الموت ورغم ذلك طفق في مهمته كائعاً يلتفت يميناً ويساراً حتى ما ان قطع الاصبع ارتعدت فرائصه وهمّ هارباً من هول المشهد ، وفي الطريق سحب الخاتم ورمى الإصبع ! انه شرف النفس يا سادة الذي تعلّق بإصبعٍ مقطوعة ، فقطر الندى سُرقت في حياتها ومماتها اذ سُرق شرفها وهويتها وجسدها وحياتها ومن ثم اصبعها ، وبات ميراثها نهباً مقَسَّماً بين الأخوة الذين حلّت عليهم لعنتها بؤساً وجحيماً . 
خلاصة القصة ، نحن البشر نحاكم الخاطئ من غير أدلة ، نحاربه مسقطين عنه حق الدفاع ونرجمه قبل ان نلتفت الى الخطيئة ، في أكثر الأحيان محاربو الفجور هم أكثر الفاجرين وأبواق النصح والارشاد هم مرتزقة ف"البحر تعلو فوقه جيَفُ الفلا والدُّرّ مطمورٌ بأسفَلِ رملِهِ " …
Reactions

تعليقات