القائمة الرئيسية

الصفحات

في مرابع عين وسارة تأملات في رواية سعد الصباح - رابح بلحمدي

 


في مرابع عين وسارة تأملات في رواية سعد الصباح

حديث القبرة إشارات وإثارة



لم أكن أدرك تماما ما في هذه السيرة الذاتية لمؤلفها الأستاذ سعدي صباح، وقد كتب لي على صفحتها الأولى: الإهداء إلى

أخي وصديقي رابح الحامدي أهدي بعض من حياتي

عنوان الكتاب حديث القبرة (213 صفحة) قرأته في خمسة أيام نظرا لكثرة أشغالي بين المنزل وفرع اتحاد الكتاب البليدة

من عادتي إذا خطفني محتوى النص لا اتوقف عن قراءته حتى أنهيه لانه يصبح شيئا منعشا، كلما وضعت الكتاب بين

يدايَّا، تصبح أوراقه كبتلات الورد الحر العطر تبعث في الجسم دفقات الدوبامين الذي يشعرني بالنشوة والسعادة والرضا،

وهذا ما فعلته مذكرة أو سيرة الكاتب،

لكنها بسرد روائي عجيب. كنت أجلس مع المؤلف واتنقل وأسيح في البادية، واعشق وأكره، وأفرح بنجاحاته التي تولد من

رحم المعاناة والتحدي وأحزن لضياع فرص جميلة

أرادها السارد ولم تكن لحكمة يعلمها الله

الكتاب بعنوان حديث القبرة، هذا العنوان الإيحائي يخلق مطابقة بين النص المسرود وشخصية السارد والبيئة المحيطة به،

فالقبرة ذلك الطائر المعروف بأنغامه العذبة، والذي ظهر في العديد من الأعمال الأدبية فرُمِز به إلى الفجر، فوجدناه كثيرا

في كتب التراث والأساطير المختلفة لكن في مسرود سعدي صباح رفيقا لأنه يكثر في بيئته الشبه صحراوية، فهو يسمع

زقزقته في ذهابه وإيابه، أثناء لعبه وصيده، وكثيرا ما يجد

أعشاشه في الارض بها بيضات، سَّلم الميكروفون لهذا العصفور يحكي هذا المنولوج وديلوج ترافقه زقزقته وخفقان

جناحيه وهو ينطلق نحو السماء يعتبر هذا الكتاب آية في الإبداع البشري ينسج المؤلف سيرته

بخيوط من أعماق النفس البشرية و ما يكتنفها من إنفعالات وعواطف كتحدي الفقر، التخلف، الجهل والسعي للخروج من

هذه البوتقة بإمكانيات جد بسيطة من عالم الاشياء تنتهي بلذة النجاح.

تعلق الشاعر بالمرأة منذ مراهقته الأولى، كانت تعلمه وتدفعه ليتعلم أكثر، ويلبس أفضل، ومن العجائب كان يمر بإخفقات

فهو شاعر عاشق للفن بالفطرة، كان يجري خلف الجمال الذي يهبه الله حتى لا أقول تهبه الطبيعة لمخلوقاتها من فتيات أو

صحراء، أو تلال، أو مروج، أو أشجار ...

المؤلف يحب الجمال إلى حد بعيد فهو ينقله في روحه ودمه ثم ينثره حروفا تغني و ترقص ،كان رمنسيا وسرياليا إلى حد

بعيد ولولا ما تعلمه من بيئته المحافظة و تعلمه في الزوايا القرآن الكريم لرأينا منه الشيء العجاب ،لا تضاهيه أحلام ولا

مي ولا سي ههههه هذا رأيي ،كان يصف نفسية الشخصيات التي مرت معه كما يفعل الاديب الروسي فيودور

دوستويفسكي في رواياته المقامر ،الاخوة كرمزوف ،في قبوي ، كان يصف الكريم حتى تحب أن تراه والابله حتى تمقته

والحسناء حتى تحلم بها ،يحكي عن نفسيات كثيرة متجردا من كل العقد بلا تهور أو قلة حياء عن امه، عن ابيه عن

أصدقائه .

ما أجملك أيها الكاتب الرائع سعدي صباح نسمي هذا الخيط بالجانب السيكولولوجي .

أما الخيط الثاني بلون آخر فيحمل كما هائلا من لوازم بيئته البدوية وأشيائها وأعمالها، من حيوانات المنطقة، نشاطات

الموالين والفلاحين والمرتحلين الباحثين عن الماء والكلأ، عن المدن المعزولة من قبل الاستقلال إلى بعد الاستقلال ثم

الزمن الثالث بعد زلزال الشلف وظهور التدين منه ما أفاد ومنه ما أستعمل في غير مكانه فأفسد.

في الاخير زمن الرئيس بوتفليقة وما وقع فيه من وصول المفسدين لمراكز حساسة..

لو سألت اليوم واحد من الشباب كيف كنا نعيش ثقافيا وإجتماعيا قبل الاستقلال أو في السبعينات فلا يعرف فهو طفرة

الاندرويد والتيكتوك، وغيرها لنسمي هذا الخيط بالبعد الإجتماعي وهو بهذا البعد يكون قد ساهم في نقل التراث نقلة عجيبة

ليس بمجسمات طينية من قلال و ترس (شواري)، ومنجل، وأسماء الأشخاص، والخيمة الحمراء التي تميز ولاد نايل،أما

السوداء تمثل عروش بني هلال وكل هذا يسهل الدراسة الأنثربولوجية لحركية هذا الانسان بين هذه السهوب والتلال

....لكن هذا الكاتب جعل هذا التراث يتحرك ،يتكلم؟ يجري ويجلس يغني ويرقص، في صورة خالدة ...


الخيط الثالث يحمل بعدا تربويا وثقافيا، أما التربوي فالمؤلف نقل لنا صورة رائعة لمراحل تطور المدرسة الجزائرية عامة

في مناهجها، وبناياتها، وتلامذتها ومعلميها، أيضا يحكي عن حالة التدريس قبل وبعد الاستقلال في تلك المنطقة مصورا

فيها

كل شيء المدرسة كفضاء يتغير

من تراب إلى بناء، التلميذ، تعلم المرأة في الريف، المعلم وتنقله، المديرين، المفتشين، الكل بمحاسنهم ومساوئهم .... أما

الشيء الرائع في حديث القبرة يحكي تطور الأدب خاصة وفنون أخرى من شعر بأنواعه وقصة ورواية بطريقة فنية تدل

على كاتبنا الملهم، المتواضع المحب للوطن والخير.

أتمنى أن يدرس هذا الكتاب في مختلف الكليات الأدبية، الاجتماعية، النفسية .....

فهو مرجع رائع جدا.

أتمنى أن يترجم لعدة لغات لما فيه من صورة ودليل سياحي

لهذا الجزء الجغرافي السهبي الخلاب .......

من كتاب هذا الأستاذ والمعلم العالمي نتفاءل بأن مستقبل الجزائر الجديدة في جنوبها، أكثر من شمالها وليس هذا في

المورد النفطي، بل كل الموارد من الطاقة البديلة، إلى الذكاء لدى هذا الإنسان، إلى كل ما في هذه البيئة من كائنات حية.

تحية وتقدير لمؤلفنا ومعلمنا القدوة الفاضل فهو شرف وذخر للجزائر فله مني أعطر سلام ومحبة .....

كتبه رابح بلحمدي

البليدة الجزائر

---------------------------------------

التعريف بالمؤلف: رابح بلحمدي شاعر صاحب ديوان في ظلال أشجار الزيتون أستاذ مكون في مادة علوم الطبيعة والحياة

مولود في 25 أغسطس 1960 ب البليدة الجزائر عضو فرع إتحاد كتاب البليدة الجزائر

Reactions

تعليقات