القائمة الرئيسية

الصفحات


 أقصوصة : ،،،. الندم

إستيقظ عماد باكرا. ركب سيارته وتوجه الي العمل الذي يبعد عن مقر سكناه مسافة طويلة ٠فمر بزميله الذي ينتظره بالمقهى ٠
وما إن صعد الي جانبه إنطلق من جديد ٠٠٠
شعر عماد بألم في ظهره. نتيجة العناء الذي يكابده من عمله المضني ٠ فاقترح على زميله قيادة السيارة حتى ينال قسطا من الراحة قبل مباشرة العمل ٠
كان عماد قد تجاوز عمره الخمسين سنة ٠طويل القامة، عريض المنكبين ٠جسمه ممتلئ ٠اشتعل رأسه بياضا، وشرع يلتهم سواده، التهام النار للهشيم ٠وتلوح على جبينه بعض التجاعيد التي تنبئ بشيخوخة في طريقها اليه ٠
وقد ذاع صيته بحبه للعمل فهو يجد دون ملال ولا كلال ٠
تعلم في مرحلة الطفولة ٠حرفة إصلاح السيارات ٠
وخلال فترة شبابه أصبح يمتلك مخبزة ومصنعا صغيرا لصناعة الحلويات ٠
تسلم زميله قيادة السيارة، كان المطر ينزل بغزارة ٠
فايام الخريف الأخيرة تحتضر ٠ظلت عيناه مثبتتين على زجاج السيارة وقد انتابه التوتر ٠
قطع مسافة تجاوزت ثلاثين ميلا ٠وفي اقل من لمح البصر أرتطمت السيارة بشاحنة ثقيلة وانقلبت اكثر من مرة ٠
مما ادخلهما في غيبوبة ٠نقلا على اثرها الي أقرب مستشفى
وظلت عماد تسوء ساعة بعد ساعة ٠
وصل الخبر الي زوجته، قدمت على جناح السرعة من أوروبا َاضطرت لنقله الي مصحة خاصة ٠
وبعد تلقيه أسعافات أولية وعناية مركزة من قبل أطباء مختصين ٠بدأ يتماثل للشفاء وماهي الا ساعات حتى فتح عينيه ليري ما يحدث حوله ٠فكانت المفاجأة حين ابصر زوجته الأولى ٠الدكتورة تجلس على كرسي بجانب فراشه ٠
فلم يتمالك عماد نفسه وأنهمرت دموعه واحس بمرارة ٠
رفعت الدكتورة راسها وابتسمت ٠لقد كانت في انتظار هاته اللحظة، حتى تطمئن عليه ٠فهو قد تجاوز مرحلة الخطر ٠
لوحت بيدها الي إبنهما الذي كان في بهو المصلحة ٠
اقبل مسرعا ومبتهجا بما سمع وقال:
_لقد كان وجهك شاحبا اصفر، اما الان فتعلوه الحمرة
هي حمرة العافية ٠٠٠
غادرت الدكتورة قاعة الإنعاش ٠وراحت نظرات عماد تتابعها حتى اختفت عن بصره ٠
اخبره إبنه بأن عمله لا يحتمل غيابه ٠لذلك فهو مظطر للرحيل
الي هولندا ٠لانه لم يتحصل على عطلة طويلة الأمد ٠
خيم الصمت على قاعة الإنعاش واستسلم عماد للنوم ٠
لكنه سمع صراخا خارج القاعة ٠ إنها زوجته الثانية التي يعيش معها الان ٠التي جاءت صحبة طفليها ٠
كانت ملابسها مختلفة تماما عن الدكتورة ٠فقد ارتدت فستانا
فضفاضا ،اصفر اللون ٠دفعت باب الغرفة وقالت :
_تعبت من الصعود في الدرج ظننت انك مت وتركت الصغيرين يتيمين ٠٠٠
ألتحقت بها ممرضة وطلبت منها الخروج، لأن وضع عماد الصحي لايتحمل الفوضى التي أحدثتها ٠
تركت القاعة وهي تزمجر وبقي عماد يحدق مشدوها!!
مضى الوقت بطيئا ٠
بدأ عماد يستحضر في ذهنه تلك الأيام التي ولت دون رجعة ٠
اعادته الذاكرة الي اللحظات الأولى التي شاهد فيها الدكتورة
في حفل زفاف احد أبناء الحي الذي يقيم فيه ٠
تجرأ وغازلها بعينه، خجلت واحمرت وجنتيها ٠
فبدت كالنجمة الامعة ٠
وتحول الحلم الذي راوده الي حقيقة حين تزوج الدكتورة ٠
عاش معها أجمل أيام عمره ٠كانت تردد دائما :
_لقد جعلتني بعد الزواج أشعر كأنني أميرة ٠٠٠
إنها الهمسة التي ظلت تهتز لها أوتار قلبه الي اليوم ٠٠٠
الا ان تلك السعادة لم تتواصل ٠ حين فكرت الدكتورة في الهجرة الى هولندا ٠ كي تعمل بأحد مستشفياتها، الا ان عماد رفض الهجرة معها وانفصلا عن بعضهما ٠
لقد كانت مختصة في جراحة المخ والأعصاب ٠
صوب عماد نظراته نحو نافذة قاعة الإنعاش ٠
فمنذ انفصاله عن الدكتورة ٠تدهورت حالته المادية
وضاعت ثروته في اللهو والمجون ٠
لقد انغمس في تلبية شهواته ونزواته الي ان خسر كامل ثروته
ورغم انه أعاد الكرة وتزوج مرة ثانية ٠
لكنه وجد بونا شاسعا بين الزوجة الثانية والدكتورة ٠
عاد يشتغل ميكانيكيا ٠
وبقي يحاور نفسه،:
_هل يمكن أن أعود إلى تلك المحطة ٠٠٠
اما ان قطار العمر لايسمح بالتوقف ٠٠٠
بقي عماد يبحث عن طوق نجاة ينقذه من أخطائه التي دفع ثمنها باهظا ٠٠٠
الكاتب والقاص :منير الجابري تونس
Reactions

تعليقات