القائمة الرئيسية

الصفحات

منغولي ، يا إنسان - فاطمة حشاد


 قصة قصيرة بعنوان:

منغولي .. يا إنسان
عندما رأيتها من مسافة عشرين متر تقريبا، كانت بثوبها المتسخ و صوتها الخشن بين صديقاتها في تلك الساحة التي تعج بالضوضاء و ألوان الحياة؛ جريت نحوها و كأنني ألاحق حبات رمل داخل حلق ساعة رملية.
كانت لا تزال بيدي وخزة إبرة التحليل المخبري و صورة الأشعة في حقيبتي تذكرني بذلك الضيق الذي يزعج صدري و تلك الرئة المغتربة داخل جسد نخره التعب، و لكنه أبى أن يستسلم و يلبس ثوبا غير ثوب الطفولة.
أخيرا وصلت إليها، كانت الحافلة رقم عشرة(10) لا تزال فاتحة أبوابها لتختم بي عشرات الركاب كل نحو محطته و تنطلق تطوي الطريق طيا، فتنطلق معها أفكار، أحلام، آمال و أهداف...
لم أنتبه إليه بادئ الأمر، كان يجلس أمامي بهدوء و سكينة، يلوك بين فكيه قطعة رغيف و يبعث ابتسامات لمن حوله بين الحين و الآخر.
و كان أول ما جلب انتباهي شقيقه الواقف بين حشد الركاب و الذي بدا عليه الخجل و الارتباك و التجاهل، كانا طفلان في عمر الزهور. و أما هو فكان في مقعد يقابلني.. كنت أرمقه بحنان بيلساني الأريج، دارت بين أعيننا لغة مشفرة رموزها لا يمكن لأحد أن يفهمها سوانا.
سارع الطفل الواقف بالانقضاض على مقعد شغر بعد مضي جزء لا بأس به من المسافة.. قرر الولد الذي يجلس قبالتي الانتقال حذو شقيقه..
ها قد بدأت رجلاه تلطمان كعب رجلي اليسرى كما يلطم الموج خد السفن. لم أرد أن يحس الطفل بانزعاجي، بادر بالابتسامة، كأنه يطلب الاعتذار..فقط ثنيت رجلي قليلا تحت المقعد و ابتسمت له و مسحت على فخذه.
كان لا يزال يفصلني عن بيتي سوى كيلومتر واحد، فجأة وقف
من مكانه .. خفت سقوطه و بحركة لا إرادية حاضيته بيدي كأنه النسرين في أصيص شرفتي.
لم يكن يتكلم، فقط ينطق ببعض أصوات و حروف...
لقد مد "آدم" بعنقه نحوي و هوى على وجنتي يقبلها، و بكفين صغيرتين مرتجفتين مسك برأسي و قبل جبيني .. فتحت عيني و لا أكاد أصدق ما جرى حتى اسلم رأسه الصغير إلى كتفي فغمرته في لحظة طرنا سويا إلى برزخ سرمدي المشاعر تحت ذهول الركاب و تفاجئهم بالموقف..
همست لي سيدة كانت تجلس بحذوي و قد اغرورقت عيناها و عيون البقية بالدموع
"ربي يفضلهولك يا أخيتي!"
أجبتها بأنه ليس ابني البيولوجي و إنما هو "إنسان"!
عندها ردد الجميع:
"سبحان الله.. سبحان الله..."
بقلمي فاطمة حشاد_تونس
//ملاحظة: أحداث القصة صارت معي بتاريخ 1 مارس 2022 على الساعة الثانية و ثمان و عشرين دقيقة بمدينتيصفاقسفيمحطةالحافلات//
Reactions

تعليقات