القائمة الرئيسية

الصفحات


 أقصوصة شال قرمزي

نظر اسماعيل من حوله. ثم جلس واسند ظهره الي صندوق ملقي بالقرب منه ٠فقد انهك العمل جسده ٠
اشعل سيجارة خفية حتى لا ينتبه اليه أحد ٠فهو يعمل منذ ساعات الصباح الأولى ٠
كانت روائح الجلود تنبعث من كل مكان :فهو يشتغل في مدبغة جلود :لازالت تعمل بالطرق التقليدية ٠تتطلب مجهودا
بدنيا ٠
هو شاب في السابعة والعشرين من عمره:بشرته سمراء ٠
لقد قدم منذ سنوات من إحدى دول جنوب الصحراء الي المغرب :وهدفه السفر إلى أسبانيا ٠
عرف بين زملائه بابتسامته التي لا تغادر محياه ٠كما اشتهر بتفانيه وحبه لشغله٠
رن جرس المدبغة في الساعة الخامسة مساء ٠
هم اسماعيل كعادته بالخروج :أن صاحب المدبغة طلب منه مواصلة العمل حتى منتصف الليل ٠لان الشهر الاخير من كل سنة يمثل ذروة العمل ٠قال اسماعيل مخاطبا نفسه وقد شعر بالغضب والخيبة
_كيف ستمضي هاته الليلة وقد اشتد البرد
ثم مسح المكان بنظره فوجد عشرات الجلود مبعثرة هنا هناك مهمته تنظيمها ثم وضعها في أكياس بلاستيكية ٠
اصبحت جاهزة للتصدير ٠
وعلى حين غفلة جلب انتباهه صخب كان مصدره باب المدبغة ٠هرول مسرعا حتى يكتشف الأمر
فوجد فتاة ملقاة على الأرض. فقد دفعها الباب لحظة خروجها وذلك بفعل قوة الرياح ٠
ابتسم لها ومسكها من يدها ليساعدها على الوقوف ٠حدقت في عينيه بنظرة جريئة وعلى شفتيها ابتسامة ساحرة ثم ضغطت بيدها على يده ٠
تامل اسماعيل وجهها المشرق الذي رفعت نحوه. فانتابت موجة من البهجة جسده ٠
كانت فتاة واسعة العينين. جسمها ممتلئ ٠
غزت رائحة عطرها أنفه. كانت ترتدي شالا قرمزيا يحيط برقبتها ٠
عاد الي عمله. قفزت به الذاكرة وانتشلته من لحظات السعادة
حين همس صدى صوت زوجته التي توفيت أثناء سفرهما الي المغرب ٠فهي تعرضت الي حادث اليم ٠
تالم كثيرا لفراقها وبقيت صورتها عالقة بذهنه ٠
وبينما هو منشغل بالجلود. اقبل عليه حارس المدبغة وبيده كأس شاي وقال له
_تفضل
مد يده الي الكأس وجذب سيجارة ثم رد عليه
_شكرا لك
جلس الحارس وتطلع الي وجهه ثم قال
_عندما جلسنا اخر مرة في المقهى كنت مصرا على الهجرة السرية!
_لم أتمكن من جمع المبلغ
_لم أفهم سبب رغبتك بالهجرة
_وما حيلتي فأنا في أشد الحاجة إلى حياة افضل
_لقد سمعت قصصا مأساوية عاشها كل من القى بنفسه في سفن الهجرة الغير نظامية الي أوروبا ٠
_لكني مجبر على ركوبها؟!
_ساروي لك حادثة وقعت لشخص ركب سفن الهجرة متوجها الي اوربا لكنه غرق ومات
_وماهو مصير عائلته
_لقد أجبرت الزوجة على التجارة بالجنس حتى يعيش أطفالها لأنها دخلت البلاد خلسة ولا تملك أوراق إقامة. استغلوا ظروفها
سمع الحارس ازيز سيارة يقترب من الباب. اسرع الخطى لفتحه وبقي اسماعيل يتجادل مع نفسه
_كيف يمكن التخلص من سجن الماضي. لقد حان الوقت للفرار منه النظر الى المستقبل بعين حالمة
بقى إبراهيم يفكر فما سمعه من الحارس ٠فهو قد سمع اشياء كثيرة وحكايات لايدري مدى صدقها عن الهجرة وتخلص رويدا رويدا من فكرة مغامرة الهجرة
وبدأ يتقرب من صاحبة الشال القرمزي
الكاتب والقاص :منير الجابري 
Reactions

تعليقات