القائمة الرئيسية

الصفحات

 

اقصوصة "اللوحة"
ذهب سمير الي محطة النقل البري لاستقبال اصدقائه٠
تبادل معهم التحية ثم اصطحبهم الي منزله الكائن بشارع عمر المختار بطرابلس ٠اعد لهم غرفة لينالوا قسطا من الراحة. لأنهم تعبوا من طول السفر ٠ثم انصرف لإحضار الطعام ٠
لقد عاش سمير حياة متقلبة، في السابعة والعشرين من عمره
انتقل بين مدن وقري داخل وطنه، وهو مزال يافعا، لم يلتحق بالمدرسة ٠عمل خلال فترة طفولته مع تجار الصور واللوحات الفنية ٠كان كالبرعم يدهشه كل شيء ٠
شغلته الألوان والخطوط التي يشاهدها في الألواح الفنية٠
تختلف من صورة الي أخرى، تعلق بالمشاهد المستمدة من الطبيعة٠
حين اشتد عوده هاجر من بلده التشاد الي ليبيا بحثا عن عملا
وجد فرصة في مجال جمع النفايات واختار حصة الليل، لأنه يميل الي الصمت والهدوء ٠
ينطلق في السابعة مساءا من شارع يطل على الشاطئ، حتى ينتشي بجمال طرابلس ٠حيث الموج ينتحر على رمال الشاطئ ٠في تناغم مع أصداء الانغام الهامسة المتسربة من المقاهي ٠كما تظهر لسمير القوارب الشراعية تتمايل مع أنغام الموسيقى حين تداعبها الأمواج ٠
يجمع سمير نفايات المقاهي ثم يغادر وهو يدفع عربته صوب شارع عمر المختار ٠
يجده مكتظا بالباعة يعرضون سلعا مختلفة الأشكال والالوان
حتى يجلبوا أنظار المارة ٠
يتامل سمير الأوساخ التي القوا بها هنا وهناك، ثم ينطلق في جمعها بلا كلل او ملل ٠
لقد تعود على ضجيج الباعة وعدم تعاونهم، يلقون القمامة في كل ركن، مما يتطلب منه مجهودا اكبر ٠كما يتعرض احيانا الي كلمات نابية تصدر عن بعض الباعة حين يتأخر لأمر ما ٠
دائما يطلقون عليه سهامهم لانه اعرج وذو بشرة سمراء، فقد اصيب قدمه اثناء طفولته ولم يجد من يعتني به لانه فقد والديه وهو رضيع ٠
ثم يمر الي جهة المحلات والمغازات ٠احيانا يطر للجلوس امام أحدها ليشعل سجارة ٠
جلب انتباه إحدى العاملات في المغازة المجاورة ٠تذهب اليه وتمده بقارورة ماء وتتجاذب معه أطراف الحديث
تحكي له الزبائن وجدالهم المتواصل عن الأسعار ٠ينظر إليها سمير في صمت ٠هي فتاة بيضاء البشرة ذات شعر اسود وعينين واسعتين وجسمها مكتنز ٠فهي قادمة من إحدى الدول المجاورة ٠تقوم بادارة المغازة اثناء غيابي صاحبها ٠
يتركها سمير ويلتحق بعمله وهو يفكر فيها فقد أثارت اهتمامه من اول نظرة ٠ملامح الفتاة تذكره بالماضي البعيد
فهي تشبه لوحة بقيت راسخة في ذهنه ٠لوحة تجسد فتاة تجمع التوت وبجانبها جدي ٠ ظلت علقة في ذاكرته
مر الشهر تلو الشهر الي ان تعلق سمير بالفتاة ٠فهي بقدر ماتتيح له من فرصة وتعوضه ما يفتقده من حنان، تفتح له
اكثر من أفق تهب منه رياح الأمل ٠فكلما اقبل سمير على المغازة يتهلل وحهها بابتسامة عريضة ٠اثرت عليه وسكنت وجدانه، أمام تصرفاتها تجاهه احبها وصارحها بما يكن لها من حب ٠فرحت وبادلته نفس الشعور ٠
مرت الايام مسرعة وكلما شاهد سمير الفتاة تغمره سعادة لاتوصف ٠
تعرض سمير الي حادث أثناء عمله، أجبره على ملازمة المنزل حتى يتافي وتطلب ذلك مدة تجاوزت اسبوعين ٠
حين عاد الي عمله كان متلهفا الي رؤية الفتاة وما ان أشارت ساعته الي الحادية عشرة، تحول إلى جهة المحلات حتى يرى تلك الابتسامة ٠لكنه فوجئ بغياب ذلك المشهد الذي تعود عليه ٠بقي يفكر محاورا نفسه
_ربما كلفها صاحب المحل بأمر طارئ!!
ثم شرع كنس المكان ونظره لايغيب عن المغازة الي نفذ صبره ٠ دخل المغازة وسأل عنها رد عليه احد العمال
_لقد تزوجت منذ اسبوع من رجل أعمال!
تنهد سمير طويلا، الخبر ادخل عليه فوضى عارمة، غادر ثم عاد وغادر المكان يدفع عربته ودموعه تسبق خطواته وهو يردد _ما ابشع وجع القلب
ترك عربته قرب زميله وتسرب الي منزله، مسك فنجان شاي وأشعل سجارة وأطلق العنان لخياله ٠
رسم ملامح الوجه والشعر منسدلا على الكتفين ثم البس الجسد معطفا ورديا، أو مرة يرسم جسد المرأة، فقد تعود على رسم المشاهد الطبيعية ومعاناة الكادحين ٠انها تمثل الفتاة حين شاهدها اول مرة ٠
استيقظ اصدقاؤه من النوم بعد الساعة الثامنة ليلا، فوجدوا اصنافا من الاكل فيها ما تلذ الأنفس وتشتهي الأعين، نظر اكبرهم سنا وقال
_منذ سنوات لم أر مائدة بهذا الشكل لاني كنت اعيش على الوجبات السريعة ٠
رد عليه اخر بعد أن جال بنظره في الغرفة
_هذا ليس بغريب عن سمير انظر إلى الألوان الجميلة والمتناسقة على الجدران ٠٠٠٠٠
رد عليهم سمير _هلموا الي الاكل
امضي الأصحاب وقتا وهم يستمتعون بالطعام ٠ثم بعد ذلك تحولوا الي قاعة الجلوس ٠ساله أحدهم
_يبدو عملك مرهق جدا
_لقد تعودت عليه واكتشفت الوجه الخفي للمدينة
_هل هناك امر شد انتباهك وأثر فيك
_نعم هناك احداثا كثيرة نسيت أكثرها لكن بقيت حكاية راسخة لدي
_ماهي؟
في ليلة ممطرة أواخر الشتاء، هاتفني زميلي لتعويضه تعرض لحادث في العمل التحقت به ٠وشرعت بالتنظيف لفتت انتباهي سيدة تقف على حافة الطريق وبجانبها بنت صغيرة
وبينما هي منشغلة بالهاتف كانت البنت تلهو فجأة قدمت سيارة بسرعة جنونية صدمت البنت ولاذت بالقرار، أسرعت نحوها وطلبت سيارة الإسعاف ٠اخذتها الي المستشفى
وفي الغد اتجهت إليها حتى اطمئن عليها ٠وجدت الام في ذعر أسرعت نحو غرفة الإنعاش وجدت البنت في غيبوبة واخبرني بأن ساقيها بترت ٠كان مشهد مفزع ٠كيف سكون حالتها حين تصدم بالحقيقة وهي لازالت في عمر الزهور ٠
اتم الاصدقاء جلستهم ثم نهضوا لان ساعة الرحيل قد حانت
حملوا امتعتهم وتوجهوا نحو الشاطئ ٠حتي يهاجروا سرا عبر البحر ٠قدموا من التشاد والنيجر ٠
بقي سمير يفكر في مصيرهم لان الرحلة محفوفة بالمخاطر
بدا النعاس يداعب جفونه، في تلك اللحظة رن هاتفه ٠
رد سمع صوتا يحمل في نبراته تاثرا،
وثب اقفا عاد الي الذاكرة وتوغل في البحث عن بصمات هذا الصوت ٠ توسلت اليه ان ينقذها
لم يفكر بل خرج مسرعا وما وصل إليها ارتمت في حضنه وهي ترتعش من هول ما اصابها وقالت
_لقد تسرعت في اخذ قراري وكنت ضحية عملية تحيل فقد كان حفل الزواج مجرد مسرحية
_طمعك حجب عنك دهاء هذا الرجل
_لقد كان عقد الزواج عرفي ولم اتفطن اليه امضي مدة ثم طردني
فكر سمير طويلا ثم مسكها من يدها وعاد بها إلى البيت وما ان وصل اخرج لها اللوحة

القاص :منير الجابري
Reactions

تعليقات