القائمة الرئيسية

الصفحات

هَكَذا تَكَلّم شعري بِجبل سَمّامة - صالح سعيد


 هَكَذا تَكَلّم شعري بِجبل سَمّامة.


رَكبْتُ العَزْمَ فِي سَفَرٍ إِلَى الشِّعْرِ،
وَكَانَ عُدَّتِي الأَمَلُ..
وَجُبْتُ البَرَّ مُلْتَحِفًا لَهِيبَ الحَرْفِ يُطْرِبُنِي،
وَكَادَ الجُرْحُ يَنْدَمِلُ.
وَصَلْتُ الشِّعْرَ بالجُرْحِ عَلَى شَبَقٍ..
فَهَاجَ الشِّعْرُ...طَفَا كَالمَوْجِ يَرْتَطِمُ..
رَمَيْتُ نَغْمَتِي فِيهِ فَكَانَتْ لُجَّةً حُبْلَى بِوَهْجِ النُّورِ تَلْتَحِمُ..
وَنَغْمَات كَثِيرَات سَمِعْتُ طَيْفَهَا السَّاجِي عَلَى أَشْوَاقِي تَزْدَحِمُ..
طَربْتُ مِلْءَ أَفْئِدَتِي وَقُلْتُ "الشِّعْرُ يَنْتَصِرُ"
وَكَانَ الشِّعْرُ يَتَّقِدُ، إِلَى أَنْ حَلَّ ذُو لَعَجٍ بِوَهْجِ النُّورِ يَنْتَثِرُ،
إِذَا مَا غَامَ مُبْتَسِمًا بِرمْشِ الغَمْزِ يَنْهَمِرُ،
يَهُزُّ رَبَّةَ الشِّعْرِ فَيَغْدُو عَرْشَهَا الخَوَرُ.
وَحَلَّ الطَّيْشُ وَالنَّزَقُ فَكَادَ الشِّعْرُ يَنْتَحِرُ..
يَقُولُ الصَّحْبُ أَجْمَعُهُمْ وَقَدْ لُدِغُوا مِنَ الجُحْرِ:
مَتَى تَتَعَافَى يَا وَطَنِي مِنَ السُّمِّ الذِي وَطَّنْ؟
مَتَى تُرْمَى مِنَ الكَأسِ بَقَايَا البَغْيِ فِي الجَوْشَنْ؟
مَتَى يَتَآكَلُ الصَّدَأُ؟ مَتَى يَنْزَاحُ كَالمُزْمنْ؟
يُجِيبُ الشِّعْرُ مُنْشَرِحًا وَقَدْ عَادَتْ مَلَذَّتُهُ:
أَنَا أَحْيَا بِصَوْتِ البُلْبُلِ الشَّادِي،
أَنَا فِي النّار، فِي الوَادِي،
أَنَا فِي المَوْجَةِ الثَّكْلَى، أَنَا كَالسّيْفِ بِالضَّادِ.
فُؤُوسُ الهَدْمِ أَهْدِمُهَا أَقُضُّ رَوْحَهَا الهَادِي،
وَرَبُّ الشِّعْرِ أَقْتُلُهُ إِذَا مَا مَسَّ أَوْلاَدِي..
رُبُوب الشِّعْرِ مَرْسَاةٌ لِأَشْرِعَتِي،
مَرَافِئُهَا غَدَتْ مَاءً مِنَ الدَّرَنِ،
أَحُطُّ فِيهَا مُلْتَحِفًا بِوَهْجِ الشَّمْسِ فِي دَفَقِي،
لِكَيْ أُشْفَى مِنَ العَفَنِ."
ضَمَمْتُ الشِّعْرَ مُشْتَاقًا وَسَيْفِي سَامِقُ الطَّعْنِ،
لِرَبِّ الشِّعْرِ مَزْهُوًّا بِتَاجِ الوَهْمِ كَالعِهْنِ.
لِيَحْيَا الشّعرُ يا وَطَنِي بِرَبٍّ عَادِلِ اللَّحْنِ.

أَيَا شِعْرِي كَيْفَ لِمِثْلِكَ أنْ يُسَامَ حَضِيضَ الوَهَنْْ،
وَأَنْتَ الفَتَى المُشْتَهَى؟
تَرُدُّ حِيَاضَ الرَّدَى فِي لَيَالِي المِحَنْ،
وَأَنْتَ الهَوَى المُرْتَجَى..
وَتَزْرَعُ شَوْكَ الأَسَى فِي مَرِيرٍ الشَّجَنْ،
وَيَشْتَاقُكَ الصَّبُّ فِي المُلْتَقَى..
وَرَبَّةُ شِعْرِكَ، هَلْ عَايَنَتْكَ تَزُفُّ قَوَافِي الوَطَنْ؟
وَهَلْ أَنْصَتَتْ لِرَنِينِكَ يَكْوِي دُعَاةَ الفِتَنْ؟
وَهَلْ كَانَ فِي المُلْتَقَى مُنْصِفٌ يَرُدُّ العِدَى،
وَيُشْفِي غَلِيلَكَ أَنْتَ الفَتَى؟
جَمِيلَةُ قَوْمِكَ، سَامَتْكَ مُرَّ العَذَابِ وَأَرْدَتْكَ مَحْضَ هُرَاء..
وَمَا صَلُحَ الصُّلْحُ يَوْمًا لِيَأْوِيكَ مِنْ لَسْعَةِ السُّمِّ فِي المُلْتَقَى.
أَيَا شِعْرِي، مَالَكَ رَثّ الفُؤَادِ عَلِيل الجَوَى؟
تَرَيَّثْ، سَيَنْزَاحُ بَعْرُ الرَّدَى..
سَتَشْرُقُ شَمْسُكَ يَوْمًا وَيَدْوِي شُعَاعُكَ مِثْلَ الصَّدَى..
فُؤُوسُ الخَرَابِ سَتُكْسَرُ حَتْمًا لِأَحْيَا أَنَا،
وَأَنْتَ الحَبِيبُ سَأُحْبِلُكَ مِنْ صَرِيرِ الصُّخُورِ،
سَأَجْعَلُكَ فِي العُلا.
سَأَرْمِيكَ فَوْقَ النُّجُومِ بِلاَ رَبَّةٍ،
سَأَجْعَلُكَ فِي عَنَانِ السَّمَاء..
أَيَا شِعْرِي، يَا مُؤْنِسِي فِي لَيَالِي الكَدَرْ..
لِعِلْمِكَ، مَا أَنْصَفَ الدَّهْرُ يَوْمًا رُعَاةَ الشَّجَرْ.
تَسَامَ عَلَى رَبَّةٍ فِي حَضِيضِ الحُفَرْ،
سَتَهْوِي إِلَى وَهْدَةٍ مِنْ جَمَرْ،
سَأَبْقَى وَتَبْقَى،
مَعًا سَنُطَاوِلُ عَرْشَ الصَّفَاء،
وَنَهْدِمُ كُلَّ رُعَاةِ الغَبَاء.
وَنَرْقُصُ فَوْقَ سَنَاءِ القَمَرْ..
وَأَمَّا فُؤُوسُ الخَرَابِ سَتُكْسَرُ فَوْقَ حُرُوفِ الصَّخَرْ..
لَكَ العَهْدُ مِنِّي سَتَذْوِي الفُؤُوسُ بِلاَ رَحْمَةٍ..
لِأَنَّ الجَمَالَ يَمُجُّ الضَّجَرْ.

صالح سعيد / تونس الخصراء
Reactions

تعليقات