القائمة الرئيسية

الصفحات

فسحة ربيعية ماتعة بسيدي عبد الرفيق - أحمد صحيف .

 


فسحة ربيعية ماتعة بسيدي عبد الرفيق.
وأنا أتصفح أحد المواقع الدولية للأرصاد الجوية ،استبشرت خيرا والموقع يشير إلى احتمال تساقطات هامة بداية من 21 نونبر، و تمتد لأكثر من أسبوعين، وستكون عامة بالبلاد ، والتي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على التساقطات المطرية ،و عجلته لن تتحرك بدونها ،كما أن الشك واليأس بدأ يدب إلى قلب الفلاح المغربي عامة بعد تأخر الأمطار ،و كان ذلك ملحوظا من خلال جولتنا في الأسواق الأسبوعية و حديثنا مع الفلاحين .
كان لهذه النشرة وقع جميل في نفسيتي ،و أعادتني لسنين طويلة إلى الوراء ،سنوات الستينيات و سبعينيات القرن الماضي ،خصوصا عندما عشنا تساقطات مطرية هامة جدا، وبما أننا كنا نتواجد في منطقة ثربتها خصبة ،فإن تلك الكمية من الأمطار كانت كفيلة بموسم خصيب ومنتوج فلاحي هام جدا .
ففي كل فصل ربيع كانت المناطق المجاورة بمسقط رأسي ملاذا لسكان المدينة من أجل قضاء نهاية أسبوع وسط ربيع الحقول الخضراء المنتشرة في كل مكان ،وكانت إحدى المناطق البعيدة عن وسط المدينة بحوالي 10 كيلومترات ،منطقة سيدي عبد الرفيق محجا مفضلا للساكنة، حيث يتوجه شباب ونساء وشيوخ المدينة كل عبر وسيلته إلى المنطقة الخضراء الزاهية ،حيث شموخ سنابل القمح والشعير الممتلئة تتمايل على نغمات ريح ربيعي ، و تنحني لزوار المكان ،كما أن الأزهار بمختلف ألوانها تنتشر في المنطقة، لترسم لوحة فنية رائعة تتخللها شقائق النعمان البيضاءو الحمراء و الرمادية و غيرها ،وزهرة الأقحوان الصفراء اللامعة، بساط أخضر يغري عاشق الجمال بأخد مكان وسطه ليستمتع بجمال اللوحة ونسيم الربيع ، كنا نحن الأطفال نقضي جل وقتنا في الجري وسط الفدادين الكبيرة بحثا عن نباتات ، نستمتع بجنيها و أكلها ،أتذكر منها عشبة قرون الغزال (كرينبوش) ،و عشبة كيس الراعي ( الكريسة ) ، ولم نكن نشبع منها، ولحسن حظنا أنه في زمننا لم تكن تستعمل المبيدات في مثل هذه الفدادين حيث لقي شبان مصرعهم في السنة الماضية بإحدى مناطق الشاوية بسببها ، كما أننا لم نكن نعرف الفوائد الجيدة لهذه الأعشاب الا عندما كبرنا ،و لم تصبح في المتناول وحتى وانت تحصل عليها عليك بغسلها جيدا من المبيدات المختلفة، أما نبتة شعر العجوز أو القريص (الحريكة) فكنا نستعملها في مواجهة بعضنا البعض ونبدأ في حك جلدنا الذي يكاد يغادر مكانه ، هذه العشبة أيضا لها فوائد لاتحصى ، كما أن سنابل القمح والشعير لم تسلم من شغبنا و حبنا لها ، اليوم بالذات فهمت لماذا كان الأجداد والاباء يتحدثون عن كرم وسخاء رجال ونساء تلك المنطقة ، رغم أننا كنا قوافل كثيرة تهجم كالجراد على محاصيلهم فلم يطردونا من المكان، و الفتيات كن يصنعن من نوع من الأعشاب أحبالا و ضفائر يلعبن بها، وأيضا لعبة الخبيزة الشهيرة ،كما أن هذه النبتة الصحية كنا نجني منها كمية كبيرة للاستمتاع بمداقها . أما العشاق فكانوا يجدون في هذا المكان ملاذا آمنا لقضاء يوم رومانسي في الهواء الطلق و الحديث عن الحب و المستقبل و الزواج، فكم من أسرة كان هذا المكان شاهدا على ميلاد علاقتها .
عندما تبدأ الشمس في التقاط خيوطها، معلنة نهاية يوم ربيع بهي وجميل وبداية يوم آخر ، يسدل الستار على فسحة ربيعية ماتعة بسيدي عبد الرفيق .
لأهل هذه المنطقة ألف تحية و سلام .
أسفي في 11نونبر 2021 .
أحمد صحيف
متابعة / روضة الادباء العرب






Reactions

تعليقات