القائمة الرئيسية

الصفحات


 صورة وعبرة

شعره أشعث ما عاد يعرف له لون وكان قد طلّق المشط منذ زمن و طال وكأنّه أراد أن يتمدّد ليقيس أيّام بؤس صاحبه ويدوّن سجلاّت المدينة. لباسه ستر ما بقي من جسمه لكنّه كان شهادة تاريخيّة على عصر خلت فيه القلوب من الرّحمة وتخلّي الكلّ عن مسؤوليّاتهم وخاصّة من كان بعهدته إعالة من لا عائل له.
ارتسمت على وجهه رغم طول لحيته أوجاعه وآلامه وكلّ ما عاشه في شوارع المدينة من حرّ وقرّ وفاقة ونظرات احتقار . لقد تأذّى جسمه وطاله سوء ما لاقى وما واجه في حياته لكنّه صمد وظلّ يكابد ويعاند القساوة وينتصرعليها بفضل صبره وإيمانه بأنّ الصّورة ستتغيّر بين حين وآخر وهذا بفعل الانسان في الطّبيعة والأشياء . لقد كان في معظم أوقاته يتكئ على حائط تماهى معه لونا وقدما كأنّه يقول له ما عاد لي سواك آوي إليه وأبثّه حكاياتي وأحزاني. أو كأنّه اتّكأ عليه ليرسم عليه صورته ليخلّد بها ذكرى صداقتهما معا وعلاقتهما بالمدينة ونظرتها إليهما. لم تمتدّ له الأيادي لتحظنه وتعينه وتنهض به أو لتخرجه ممّا فيه لكنّه مدّ يده لغيره وآثرهم على نفسه. مدّ يده لكائنات من غير بني جنسه وأعطاهم غذاءه وما سيبقي على حياته. فكأنّه يئس من حياته هو ولكنّه يعرف قيمة الحياة ومعناها فساهم في حياة هرّة أو كأنّه رأى فيها الحياة فلم يشأ ان يحرمها منها فأغدق عليها ممّا كان يملك وقد يكون طلب ذلك من أجلها. ترفّق صديقنا بحيوان بريء ليعلّم الّذين نسوا انّ حلاوة الحياة في التّعاون وليعلّم القساة أنّ الرّأفة من عمل الإنسان . أراد أيضا أن يقول للمدينة يجب أن تتغيّر الصّورة لتزهو الحياة وليتحمّل كل مسؤول مسؤوليّته تجاه المدينة وساكتيها...
رشدي الخميري/ جندوبة / تونس
Reactions

تعليقات