القائمة الرئيسية

الصفحات


 ليس لنا لنتجاوز وباء المرض والبشر الا أن نقرأ ونكتب...

صفحة أخرى وليلة أخرى من روايتي التي أكتبها...
الليلة الثانية
توقّفت عن البكاء وقرّرت أن اسكت لكنّه تفهّمني وواساني وأكّد لي أنّني لن ارتاح إلّا اذا قصصت عليه كلّ أحزاني
_ يجب أن تحكي لا تصمتي، السّكوت يزيد أوجاعك حفرا، انا معك أسمعك.
_ ما تتعبش من حكاياتي؟
_ لا لا أتعب أكملي كلّي آذان صاغية.
خجلت ان اقول له ليس لي دينار آخر وأنْني حتّى لو امتلكته لا أستطيع التواصل كلّ ليلة. فالعطّار رجل مهذار قد يشكّ في أمري اذا عرف أنّني اشحن هاتفي نقودا كلّ يوم ولا اتحادث مع شقيقيّ . كنت أحسّ انه جاسوس متطوّع يتتبّع حركاتي. اخي نفسه لو عرف لمزّقني اربا اريا رغم عمري ذاك. وافتكّ منّي الجوّال. لم أكن اخاف من شيء إلّا من افتكاك هاتفي منّي . فهو كلّ عالمي. هو نافذة سجني وشمسها
_ ما انجمش نحكي كل ليلة.
_لماذا؟ ليس لديك وقت؟
_لا ...........
_ تكلّمي لا تخافي مابك؟
_ إذا ظللت اشحن كلّ ليلة سيعرف أخي من العطّار.
ففي الأرياف القصيّة يتحوّل صاحب الدكّان محطّة إذاعيّة وقناة تلفزيّة يجمّع الأخبار ويعيد بثّها. لا يحتاج صحافيين. فهو صاحب القناة و مديرها ومحرّرها ومذيعها.
_ اه فهمتك لا تخافي سأشحن لك انا دينارا كلّ ليلة. المهمّ أن نتواصل.
كان مصرّا على أسري. كأنّه قدري الأحمق لا أخرج من سجن إلّا لأدخل آخر واصلت اسرد عليه بعض فصول حكايتي وكنت ارتاح انّه لا يراني ولا يعرفني. ليتني لم ألتق به. ليته بقي هناك بعيدا. كنت أحدّثه عن كلّ التّفاصيل التي أرّقتني ومازالت...
... منذ تركت المدرسة ورميت في الزّريبة عرفت أنّني وُئدت وأُجهضت أحلامي. . ندمت كثيرا على انقطاعي المبكّر عن دراستي. ما ضرّني لو سموّني " وصيفة" وصرت طبيبة بدل ان أهرب و اثبت فعلا أنّني قبيحة و غبيّة. تذكّرت هذا الاسم يوم شاهدت مسلسل ليالي الحلميّة كانت زوجة العمدة."وصيفة" تشبهني لم تكن جميلة و كان زوجها يحتقرها وأحبّ امرأة شقراء جميلة " نازك السلحدار" انها تشبهك سيدتي امرأة متسلّطة قوية مثقّفة أنيقة. لقد شاهدت صورك انّك تشبهينها او هكذا بدا لي فقط كنت كاتبة وكانت سيّدة أعمال كنتِ أصغر منها. أما أنا فقد تأكّدت يومها أنّ " وصيفة" حتى إن لم تكن سمراء فهي في كلّ البلدان في كلّ الثّقافات امرأة غبيّة جاهلة دميمة محتقرة معنّفة...
كنت أشاهد المسلسل خلسة، فقد كان اخي يمنعني من ذلك، ويوم اكتشف سرّي جرني جرا من الغرفة، كان شعري طويلا كم كرهت طوله يومها. آه كم كرهت الشّعر الطّويل. لقد قصصته من الغد وانا ابكي بكلّ حرقة . نقطة الضوء الوحيدة فيّ أطفأتها. لقد شدّني من شعري وجرّني خارجا وانا اصيح واستغيث وكلّما ارتفع صياحي كان يزيدني ركلا ولكما و صفعا :
_ تتفرّج في المسلسلات يا بنت الحرام، عينيك تحلّت؟ تتعلم في الكلب؟ يعطيك كلب يا هاملة يا بنت ال....
تكلّم اخي الأصغر
_ امس زادة شدّيتها تسمع في امّ كلثوم " الحبّ كلّه".
أذهلتني هذه الجرائم الكبيرة التي ارتكبتها. انتظرت ان يناصرني ابي ان يتكلم. لكنه لم يفعل كالعادة . فوجئت به لمّا هبّت امّي المسكينة لتنقذني يجبرها على الجلوس قائلا :
_ خوها أدرى بتربيتها اش تعرف انت اللي خاف سلم اضرب البهيم المربوط...
اقتنعت من يومها أنني أضفت لألقابي لقبا آخر "بهيم مربوط"
و أنّني في عقالي أشدّ خطرا من حمار سائب وأنّ ابي استقال من تربيتي وسلّمني لشقيقيّ اللذين يريان الفنّ والحبّ لم يخلقا للاناث وإنما خلقا للذّكور. وتحديدا لم يخلقا للشّقيقات لأنّني رأيت فيما بعد أنّهما سمحا لزوجتيهما وبناتهما بما لم يسمحا لي به في صغري. سمحا لي بذلك فقط عندما تزوّجا واستقلّا وتركا والديّ في رعايتي واقتنعا أنني عانس لا خوف منّي ولا عليّ...
.
سلوى البحري صفاقس 2021/01/17
متابعة : سهام بن حمودة
Reactions

تعليقات