القائمة الرئيسية

الصفحات


 الشّرنقة


********


كان الظّل وارفا تحت هذه الشّجرة المباركة حسب اعتقاده. وهو يختلف مع الكثيرين الذين يعتقدون أن الزيتونة وحدها مباركة. لكنّه يُصرّ ويُجزم أن شجرته مميزة و مباركة

بأوراقها النّضرة فستقية اللّون وثمارها الغضّة ذات الطعم الفريد

لم يكن يدرك معنى البركة وكان يعتقد أن الأشجار لها علاقة بأحد بنات القرية تدعى مباركة . فهي فارعة القوام جميلة الملامح طيّبة ،عطرة كشجرة التّوت التي يحبّها ويحبّ اللّعب في ظلّها واحتضان جذعها وهزّ أغصانها، فتمطره بسخاء . ويجد في حلاوة تُوتها الأبيض لذة لا تُوصف.

وكذلك كانت تقول له مبا ركة حين تمسك به على حين غفلة، وتضمّه لها بلهفة، وتقبّله عدّة قُبلات بعنف ويهي تردّد "مَا بَنِّكْ ... ومَاحْلاَكْ ... يعطيك دُودة" وهو يحاول أن يتخلّص من قبضتها ويمسح قُبلاتها من على خدّه وعلى فمه . ووجهه يتورّدُ حُمرة وهو يصرخ ويستنصر أمه: "سَيْبِينِي... سَيْبِينِي ... يا مَا مَا ".

ومباركة تمسك به بشغف، وتنهال عليه قُبلا. وأمّه تبتسم وتنهر مباركة:

"سَيْبِي الطّْفُل ...قتلتيه "

فتجيبها في دلع "أخَيتِي نْحبُّو... يتقرمش نحبْ ناكلو"

لم يكن يكره مباركة التّي لم تكن تبخل عليه بعطاياها الحُلوة ، من حلوى وشامية وشوكوطوم. لكنّه كان يشعر بالخجل من قُبلاتها الكثيرة مع أنه كان يحسّ بأن قُبلاتها حلوة كطعم التّوت الأبيض.

كان مراد يراقب اليرقات المنتشرة على ورقات شجرة التّوت كان يلاحظ كيف كانت "تتبعبش" بجسمها الرّخوي الضئيل حيث لم يكن يتجاوز طول الواحدة منها بعض الصنتمرات كان يراقب دودته المميزة هذه الخضراء التي تلتهم الورقة الغضة بشراهة

وصوت مباركة يدغدغ أذنيه " يعطك دودة "وشفاهها القرمزية تلثم خدّه وشفاهه ورقبته.

ويمد مراد سبّابته الرّقيقة كأنّه يريد أن يبعد دُودته عن ورقة التّوت فتتكور ثم ترتخي ملتوية وتعود بشراهة تلتهم الورقة في نهم. فيتبسم مراد ويشعر بدفء لذيذ كدفء حضن مباركة . ....
يتبع نصر العماري 
Reactions

تعليقات