القائمة الرئيسية

الصفحات


 المفقود


تطلع نمر إلى قاعة الإستقبال، فلمح من بعيد وجوهاً حفظ ذات يوما تقاسيمها. يقف الوالد أبو نمر متكئاً على عكازه الخشبي محاولا ضبط نظارتيه الطبية، وقد غزا الشيب رأسه، وإلى جانبه تقف عجوز تائهة بين تلويحات الواقفين في باحة الوصول، بالكاد نجح نمر في التعرف عليها، فتأوه  بصوت مسموعا مردداً : يَمَّا .

وفي خضم فوضى التلويحات والعناق يقف عمه بلحيته الكثة الطويلة، يبحث بين وجوه العائدين عن وجه إبن أخيه.
جالت زوجته الفرنسية ببصرها في باحة الوصول متطلعة إلى الوجوه الغريبة عنها، فتشبتت بذراع نمر خائفة. 
تحرك نمر في إتجاه أفراد أسرته وجلاً ومتردداً.
تطلع إليه عمه مستغرباً من التغيرات التي لحقت هيئته، فقد لحيته التي ميزته و صار حليق الوجه، تخلى عن لباس قريته التقليدي... وتعجب أكثر من المرأة التي تتأبط ذراعه.

اقترب نمر من والده الذي وقف مشدوها أمام هول الصدمة، أخد يده وقبلها قبل أن يعانق أمه المكلومة فساد صمت في المكان رغم ضجة المسافرين.

إلتفت أبو نمر إلى زوجته صفية وقال :
" أتعرفين ما هو السفر يا صفية؟ السفر هو ألا يحدث ذلك كله.
نادي نمر والده أبي، هذه زوجتي ليزا. 
رد عليه أبو نمر: كل دموع الأرض لا تسطيع أن تحمل زورقا صغيراً يتسع لوالدين يبحثان عن طفليهما المفقود.
سألت ليزا نمر: من يكونوا هؤلاء؟
رد عليها قائلا : والداي وعمي.
خرجوا من المطار في إتجاه سيارة قديمة أقلتهم إلى القرية.
كان خبر عودة نمر من السفر قد إنتشر كالهشيم في القرية فتجمع الأطفال والشباب عند مدخلها ينتظرون ظهور السيارة.
وصلت السيارة وتوقفت قرب منزل أبو نمر، فأشرأبت الأعناق لرؤية نمر وزوجته الفرنسية، وتعالت أصوات مستنكرة هيئته الجديدة، ومتعجبة من لباس زوجته.
دخل نمر مسرعا إلى المنزل القديم، فإنفض المستقبلون غير راضين عن طريقة تعامله معهم وغاضبين من قلة إحترامه لتقاليد القرية. 
في البيت كانت الزوجة تصرخ على نمر مطالبة بالعودة إلى فرنسا ومرددة: 
لا أستطيع البقاء هنا، وسط هؤلاء الحمقى والمتخلفين. 

كان نمر يحاول إقناعها بالبقاء قائلا:
إنني أعرفها "قريتي" ولكنها تنكرني.

عزالدين الزريويل/المغرب
Reactions

تعليقات