القائمة الرئيسية

الصفحات


 أين النّخوة ؟

زرعنا الحبّ أينما حللنا ونفثنا روائح البسمة منذ وطأت اقدامنا ذاكرة الناس.
ورحنا نشارك من عرفنا أفراحهم وأتراحهم علّنا بذلك ننسجم معهم ونلج إلى القلوب فنكون جمعا ولا نتشتّت. تركنا بصمات في كلّ أنحاء المدينة حتّى لا تنسانا وحتّى نعرف طريق العودة إلى أوكارنا بين جمع عشنا معهم وفيهم. وتأتي رياح غريبة عن سمائنا فمحت بصماتنا أو كادت ثمّ حلّت بالمدينة سيول الحقد والكراهية فجرفت ماغرسناه وغرسه النّاس من حولنا من حبّ وفرح فبتنا منبتّين لا نعرف طريق العودة إلى أوكارنا بل وكرنا الّذي جمعنا وبذلنا ما استطعنا من جهود لبنائه. في المدينة ترسبّت أشباحنا فكدنا لا نتعرّف حتّى على بعضنا البعض ولا حتّى أن يتعرّف الواحد منّا على نفسه. وبات تفتيت جمعنا سهلا على من أراد بنا سوءا ومن تربّص بوكرنا ليهدّمه ويشتّت من سكنوه. كلّ من سوّلت له نفسه بيعنا وجد أرضيّة تناسبه واستعان في ذلك بمن جفّت فيه النّخوة . بين صبح وعشيّة تطالعنا أخبار من هنا وهناك لأناس تسلّلو للمدينة واقتطعوا طرفا منها ليزرعوا فيه نباتات غريبة عن أرضنا، وأناس استضافوا من بالأمس القريب شهر سيفه علينا وقتل وجرح وإلى اليوم هو يترصدّنا . هدر دمنا واستبيحت كلّ مقوّماتنا والغريب في الأمر أنّ الباعة هم في الأصل من بني الدّيار فدمنا هو دمهم وأرواحنا هي أرواحهم لكنّ الشّاري هو نفسه الّذي شهر سيفه على رقابنا. ويستحيل المشهد في وطني إلى متاهة . فكأنّ الأرض قطع مشتّتة والنّاس عشائر غريبة عن بعضها البعض فما يحصل بالقرب منّا وعلى مسافة خطوة عنّا أصبح لا يعنينا والحال أنّ الدّور آت على كلّ "عشيرة " . أين تلك النّخوة ؟ أين الحميّة والهبّة الواحدة ؟ ثمّ أين العقل الّذي يفهم ويصل إلى مرمى من أراد بنا سوءا؟ فليس لسواد عيوننا ولا لجمال خلقنا يتهافت القريب والبعيد على ترابنا. وليس محبّة فينا يتقرّب منّا ويتخاصم من أجلنا المتخاصمون..
رشدي الخميري / جندوبة / تونس
Reactions

تعليقات