القائمة الرئيسية

الصفحات

قُبَّةُ اَلْوَلِّي الٌصَّالِح - عزالدين الزريويل

 



قُبَّةُ اَلْوَلِّي الٌصَّالِح

كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساءً، في يوم يذكرني بأصياف التسعينيات، التي كانت فيها الشمس الحارقة تفرض سلطتها على الإنسان فيهرع قبل الظهيرة إلى ظل آمن يقيه شدة حرها، أطلت سيارة سوداء على الدوار الرابض على ربوة انتزعت منها عوامل التعرية نُظْرَتَهُا وجاذبيتها القديمة.

توقفت السيارة أمام قبة بيضاء بُنِيَّتْ على مرتفع داخل مقبرة تبدو من الوهلة الأولى أنها قديمة نوعاً ما، من خلال كثرة القبور وإندثار معالمها ورسمها[...] يدعى الولي الصالح النائم في قبره داخل القبة منذ زمن لم يعد بإمكان سكان الدوار تحديده بسيدي يحي، لا أحد يتذكر متى حل يحي هذا بالدوار ولا كيف أصبح ولياً [...]بيد أن الصغير والكبير يعتقد بولايته وبركته وكرامته.

يذكر البعض منهم أن الولي كان محجاً لكل مريض ومظلوم من مختلف الدواوير، يأتون بمرضهم وعلتهم ويعودون أصحاء وسالمين. 

ترجل رجل في عقده الثامن من السيارة السوداء، وقف متأملا قبة الولي الصالح، فسافر بتفكيره إلى زمن كان فيه صبياً يشكو من ألم في الركبتين، أفقده القدرة على المشي[...]

يتوقف الحمار الأدهم قرب باب المقبرة، فيما رجل يعتمر عمامة بيضاء وبنتعل بلغة  مصنوعة من المطاط الأسود ، ينهر زوجته التي لا حيلة لها، تتقاسمها الحسرة على إبنها المقعد وحيرتها في حضرة الولي الصالح.

- خدوج وقفي الحمار عند الباب، ستصيبنا لعنة المسلمين النائمين في قبورهم.

- الله يا سيدي ربي؟ يكفينا لفينا، شايلاه أسيدي يحي.

يتوقف الحمار، يتأهب الرجل لإنزال إبنه المقعد من على ظهر الدابة، تسرع خدوج إلى قبة الولي الصالح حاملة أغطية مهترئة وقِدْراً للطعام. توقفت أمام مدخل القبة، وقبلت عتباته وهي تدعو وتتضرع للولي الصالح أن يشفي وحيدها، تَصَادَفَ دخولها إلى الضريح مع وجود نسوة الدوار وهنّ متحلقات حول قصعة كسكس. انتدبت خدوج مكاناً قصياً داخل الضريح وفرشت غطاءها الصوفي، في حين كان زوجها قد دخل وهو يحاول وضع إبنه، قبل أن ينهر زوجته من جديد.
- فرشي ليه بالقرب من رأس سيدي يحي، لعله يسمع تأوهاته ويشفق عليه من هذا المرض اللعين[...]الأولياء يحبون الأطفال لأنهم ملائكة الأرض.

تمتمت خدوج معتذرة للولي الصالح وكأنه هو الذي وبخها وليس زوجها[...]
دخول الرجل إلى الضريح جعل النسوة تنكفئن على أنفسهن وتلودن بالصمت، وهن يتابعن حديث الرجل لزوجته وحالة الصبي المريض، وقد أشفقن عليه.
استغلت عجوز خروج الزوج لتسأل خدوج.
- مَالْ وَلْدَكْ مسكين؟ 
- ترد عليها خدوج: مريض ولا نعلم سبب مرضه، يعاني من ألم حاد في ساقيه ولا يقوى على الوقوف.
- تجيبها إمرأة أخرى: هَذَاك الجِنْ سْكَنْ ليه في رجليه، ولكن سيدي يحي مَحَكَّمْ فيهم وغادي يشافيه ليك إن شاء لله.
تمسد خدوج ضريح الولي، وهي تدعو بشفاء إبنها، وكأنها تذكره بقواه الخفية التي يتحكم بها في الجن[...]
تعود النسوة إلى حديثهن السابق، تتبادلن أخبار الدوار وأسرار سكانه وفضائحهم[...]كل هذه الأحاديث تدور بالقرب من رأس الولي الصالح الذي إستأنس بحديث النسوة، وانشغل عن دعوات خدوج وتوسلاتها.

يحل المساء بسكونه، فتحجم الجنادب والطيور عن إصدار أي صوت، فَتَنْفَضُّ هلوعة إلى مخابئها[...] وتتكوم أجساد بشرية داخل الضريح، وتطل رؤوس متوجسة من الجن الذي يبدأ يومه بالليل فيخرج بقبليه إلى الضريح مستغلاً نوم الولي في قبره[...]

تلف خدوج عليها عباءة بيضاء، وتحاول أن تبقي ضوء القنديل مشتعلاً لعله يطرد عنها الجن المتربص بإبنها المريض، غالباً ما تصير الأم  إلاهةً تحرس إبنها المريض ليلاً، لعلها تصطاد موتاً متربصاً بفلذة كبدها[...] فإن حل الصباح نامت وهي متيقنة من نجاة وحيدها.

استيقظ الأب باكراً وإتجه نحو إبنه ليطمئن عليه، متسائلاً إن كان الولي قد قام بمهمته ليلاً وأشفاه من مرضه، لكنه تفاجأ بسوء حالة المريض وتورم ساقيه[... ]تأمل الرجل حالة إبنه، وأيقن أن الولي لاقدرة له على شفاء  إبنه.
طلب الزوج من زوجته أن تعد العدة للسفر إلى المدينة حيث المستشفى والأطباء الفرنسين...

صدمت خدوج بقرار زوجها وقالت: لا يا إبراهيم حشومة نخرجوا من عند سيدي يحي وإبننا لم يشف من مرضه[...]راه غادي يسخط عليك الولي.

رد عليها إبراهيم: أش من ولي الله يهديك غادي تسببي في قطع ساق إبنك[...] الولي الذي تستهويه آحاديث النساء ليس بولي. 
صارت خدوج كمن أصابه مس من الشيطان، ترتب أغراصها وتطلب من الولي المغفرة والتجاوز عن كلام زوجها.

داخل غرفة للعمليات كان طبيب فرنسي يعمل على إستأصال صديد من ساق الفتى، وبجانبه تقف ممرضة إيطالية تناوله بين الفينة والأخرى آلة دقيقة [...]
نجحت العملية وتوقف الألم، وصار بإمكان الفتى أن يركض مع أقرانه، لكن إستمرت أمه بذكر مناقب الولي الصالح سيدي يحي الذي أنقذ إبنها من الكرسي المتحرك لنساء الدوار.
عاد الرجل إلى سيارته السوداء وهو يشير إلى المقبرة، موجهاً الحديث إلى زوجته وأبنائه، هنا داخل هذه القبة كان يجتمع كل المرضى  طلباً للشفاء من الولي الصالح، أغلبهم يدفنون داخل نفس المقبرة.

عزالدين الزريويل 
Reactions

تعليقات