القائمة الرئيسية

الصفحات


 وما إن اقتربت حتى جمعت أنفاسها .ودون أن تسلّم قالت بصوتها الرّقيق المتقطع "آعم حسونه ... هاك ...حُكّة البسيسة ...أعطيها ...بلقاسم ب...عثتها جدّاية "... و ناولته الحقّة وعيناها تبحت عن بلقاسم وحين لمحته بين مختار والهادي ابتسمت شفتاها ...


تناولها "عم حسونه" وشكرها " يكثّر خيركم عيش بنيتي اللّبه "وسلمّها لبلقاسم

وانطلقت" الكات كات" نحو المدينة ...

وعادت زبيدة وعبارة " عيش بنيتى اللّبة " تتردّد في أذنيها وتذكّرت أنّها عرفت" عن اللّبة ّ الكثير.

هذه البُنيّة اللّون القويّة المفترسة التي قد تكون أقوى من الفرس" وتغلبها . ..

جذب بلقاسم "الصّاك ألانج " الأبيض الذي لم يجد له مكانا في صندوق السّيارة فقد تعبأ "بأدباش الهادي ومختار و"عباناتهم الثّلاثة" فاضطر لدسّه أمامه بين ركبتيه وجذب خيطه الأسود المتدلّي وزاده عقدة ليطمأن قلبه وحضن حقّة "البسيسة "وأغمض عينيه وراح يراجع مجموع الأدباش " زوز خلاعي ، زوز قلاصين، زوز مناشف ، زوز ملاحف، زوز سراويل، زوز سوارا، وشورط للسبور، وسبيدري غزالة ، والطّبلية و الصّابونة و قشور المخدات والوسادة " سجل عليهم كلّهم رقم المبيت خاطه بالخيط الأحمر.

كان القيّم في باب قسم المبيت يتثبت من أدباش" بلقاسم " قطعة قطعة ثم سأله في نبرة حادة ويني "البيجما... فاش مش ترقد ؟ والا مش ترقد زنط "؟

فانفجر طابور التّلميذ من ورائه ضحكا.

لكن بلقاسم خاطب القيم" سيدي زعطور ، هاني لابسو "

وانفجر طابور التلاميذ من ورائه ثانية ضحكا

فاستشاط القيم غضبا كيف يناديه بكنيته " زعطور"؟ وردّد" قول سي مراد ، سي مراد "

و "زعطور" لقب أطلقه عليه التلاميذ . فهو قيّم به حول ،أسمر اللون "أكرب الشّعر"، حاد الطبع لكنه طيب القلب .

تشجع الهادي قائلا " في بالو اذاكه اسمك أحنا جينا جديد ، والي في الباب قال قبّلو الدبش لسي زعطور"

فنهره القيم "سكر فمك قول سي مراد " لكن الهادي لم يكن خائفا فهو فارع القوام "جبود" فيه من صفات خاله من الشجاعة ما يجعله يدخل في معركة لا تهمه عواقبها

وهو ابن سوق ، رافق كثيرا والده الى الاسواق فهو مغرم بتجارة الاغنام ويعشق "الجلب ."

والسّوق علمه أن يكون شجاعا جريئا مرواغا ماكرا لبقا. المهم كما يقول " تعدي روحك وما يعدوهاش عليك"

كان المبيت واسعا يظم الأسرّة الحديدية مرتّبة على صفّين. وفوق كل سرير سرير آخر بين الصّفين ممر في اتساع مترين ، ينتهي آخره الى دورة مياه تنقسم قسمين على يمينك ستّة مراحيض . جدرانها مبلطة بالخزف الابيض و أرضيتها جليز مرمري ،

تقابلها مجموعة أُخرى بنفس العدد . أما من اليسار فعشرة أحواض غسيل تقابلها مجموعة مرشات استحمام مزودة بالماء البارد والساخن مكسوة بالخزف والجليز ذاته المجهزة به الجهة اليمنى .

وللمبيت مجموعة من النوافذ البلورية تطل على ساحة الملعب الرياضي من الجهة الشرقية

كان الجماعة ينتظرون بفارغ الصبر الدخول الى "الرفكتور" بعد ان استنسخو جداول الاوقات المعلقة على بلور نوافذ قاعة الاكل الفسيحة كان بلقاسم ينتظر الدخول بفارغ

الصبر ليس من شدّة الجوع ولكن شوقه لتذوق "اللوبيا" هذه الأكلة التي لم يسعفه الحظ ان تذوّقها وتذكر أيامه في زاوية جدّه "سيدي الشامخ" وكيف كان" يتكدّس" مع أقرانه ليفوز بكسرة خبز. وكيف كان يقف طويلا في انتظار دوره ليفوز "بكار حليب" أو "كسكروت هريسة وسردينة" من يد "عم الهادي" حارس المدرسة ...

تغرغرت عينا زبيدة بالدموع ثم تتابعت من مقلتيها كحبات البرد وانفجرت "تغرد" بصوت مفزع "مانحبش نخلى جدايا وحدها " لكن والدها كان يطمئنها ويعدها أنه سيجد حلا لذلك وأنه يفكر بجدية أن يأخذ عزيزيها معهما للعاصمه، بعد ان فتح الله عليه واشتري دارا "بحي هلال" .

لكن الجدّ يصر على الموت بين أهله وفي قريته .واخفى ذلك عن حفيدته هامسا "وراس بنيتي الا ما نلحقو ... ما تخفيش... آخي ناي نسلم فيك " فاحتظنته ولفّها بذراعيه . وهو يُطبق على ورقة نقدية من فئة العشرة دنانير دسّها في كفّها بعد أن قبّلها هامسا في اذنها أي عاد نحبك لبّه كيف أمّك"

يتبع ...نصر العماري
Reactions

تعليقات