القائمة الرئيسية

الصفحات

أنا أعطيك جسدي و لا أعطيك قلبي - جمال الطرودي


** أنا أعطيك جسدي و لا أعطيك قلبي**

بعد أيام عصيبة قضّاها عسبورة في المسيرات و الاعتصامات أمام مبنى البرلمان في ساحة باردو لأجل إسقاط الحكومة التي لم تبلغ شهرها التاسع. لقد ظهر الجنين ميٍّتا و صار إجراء عملية قيسونيّة لازما.

بعد خلاص الأوحال، و مولد الحكومة الجديدة، صار لا بدّ من استراحة للفخّار و تسريح للمجاري و العروق.
عرّج عسبورة عبر باب سعدون، قادما من ساحة باردو، على "باب سويقة" حيث تناول صحفة لبلابي بالهرقمة، محرحرة مع زوز عضمات مروّبة و زيت زيتونه و تن. صحفة حديد فولاذ! من عند "بوك علي ". شعر إثرها بحكّة في بيضتيه و بنفسه تنتصب. زاد لوّح عليها حارتين هندي بارد من برويطة منتصبة حذو الخصّة التي ينتشر حولها هواء منعش رطّبته نافورة الماء المتدفّقة في مركزها. حسّ روحه فحل عربي أصيل، يركض بين الأفراس التي خرجت تتمشّى في الساحة عند الأصيل و قد كبست أردافها و حصرت نهودها حتى أصبح و كأنّ كلّ شيء على برّة. زاد هيجانه فدلف عبر الأزقة الضيّقة، المتعرّجة و قطع حومة الجرابة قاصدا الغرف المغلقة.

وصل عسبورة الى نهج " عبدالله قش" حيث بالضبط مركز ثقل العاصمة السكسوجيوغرافي .
لم تجذبه سقايط اللحم المعروض في الشمس و الهواء. على أبواب الغرف نساء عاريات إلّا من خرقة تغطّي أهمّ ما جاء يبحث عنه طالبو اللّذة المسفوحة. أفخاذ و بزازيل يحوم حولها الذباب و هو يفرك يديه من الفقر و الكبت، تحول بينه و بين اللّمس عصى البطرونة و هي تصيح " شوووف بعينيك و موووت بقلبك، شم و تعدّى يا ولد القحبة".
تداعت عند سماعها إلى ذهن عسبورة صور لأحداث يعيشها و يعتاش منها، لموائد طويلة كالنهر وعريضة كالبحر، في أفخم النّزل. حولها تحلّق جمع من الذين لايكترثون إلى طعام. جاؤوا ليتداولوا خطابات عن التّقشّف و عن كبس الصّنتورة. ثم، بعد التصفيق لبعضهم بعضا و تبادل عبارات التملّق و النّفاق، يركبون سياراتهم الفارهة و يتوزّعون على الملاهي والخمّارات الرّاقية التى لا يعرف لها الذّباب طريقا.
يأتي بعدهم جيش من الخدم فيلقون بما حوت الموائد في حاويات النّفايات. و الويل لمن يُمسك منهم في فمه مضغة أو ظهر على شاربه إدام. يذيقه الهواديق شرّ علقة و يطردونه طرد الكلاب.
فيرى أبناء الشعب وهم يعضّون على نواجذهم، ينظرون إلى النّعمة يبدّدونها بأيديهم، خشية ضياع رزق الصغار، فيلعن الفقر الذي دفعه إلى القسوة على الضعفاء لأجل إرضاء الأقوياء. و يخفّف على نفسه الشعور بالذّنب بأنّه مثلهم مأمور عبد عند السّيستام.

تجاوز عسبورة الزّحام إلى آخر الزّقاق حيث تعوّد على تناول لحم طريّ ، غال نوعا ما، كلّما قبض تعب أيّام من الوقوف المتواصل و الهرولة و الصياح و الهتاف تارة بإسقاط الحكومة و طورا بسبّ المعارضة و ذلك بوصفها بالخذلان و السّمسرة مع قوى الرّجعية لكسب فتات المجلس النّيابي. كان كالطبل يردّد النغمة حسب الجهة التى تقرع، يرقص على وقع الشّندلي و الرّدّاسي وفق طَرْقْ العرضاوي أو الاصبعين. هو رهن لمن يدفع. يأخذها وفقة حسب الرغبة مسيرة ، وقفة احتجاجية، اعتصام، طريحة ليست من اختصاصه.

لمّا وصل، وقف أمام الباب ينتظر. خرج أحدهم وهو يشيح ببصره عنه و قد دنكس رأسه كأنّ به حياء ممّا كان يفعل . تعجّب عسبورة من حشمته و قد أضحت للخيانات سوق و بورصات عالمية و أمست تمجّدها المحافل الدّوليّة." تبّا لهذا الزّمان الذي يلجم فيه الشجاع و ينطق الجبان"، هكذا تمتم و همّ بالمغادرة لمّا وقفت له وركاء ، عجزاء، هركولة تكاد من حملها تخرّ الأساطين. وقد استندت على الباب، متثنّية أعطافها، توزوز أردافها و تذبذب نهديها . دخل ، دون أيّ مقاومة و استسلم لسلطة الجسد.
أغلقت الباب خلفه. ونفثت دخان سيجارة رخيصة في وجهه فاختلط برائحة البخور التي تعبق في الغرفة لتغطّي ذفر العلاقات السّابقة.
همّ بتقبيلها فراوغته وقالت:
- بسرعة، هناك من ينتظر. أنا أعطيك جسدي! لكنّي لا أعطيك قلبي!
ضحك ضحكة صفراء ممطّطة :
- أنت تتكلّمين مثل أصحاب البدلات الأنيقة و الألفاظ المنمّقة الذين أعمل عندهم. يقولون نحن نمارس الجنس و لا نتبادل الحبّ في قعدة الإستمناء السّياسي.

نزّل السّروال و عرّى أليتيه المحشّفتين ثمّ توجّه إلى الصّندوق. كتم صوته عندما دفن شرفه في الشقّ تحت ظلّ فانوس خافت، يرتعش، قديم. ينعكس ضوؤه على صفحة، من كتاب، مهترئ، بالفرنسيّة، لشاعر مغمور يعشق أزهار الشّر. كانت تقرأ منه المومس كلّما برك عليها عضروط.
*Je te donne*
Je te donne mon corps
Sans, te donner mon cœur
Ne parle, jamais, de l'honneur
Quand l'amour
est condamné à mort
* انا أعطيك*
انا أعطيك جسدي
دون أن أعطيك قلبي
لا تتحدّث، أبدا، عن الشّرف
إذا كان الحبّ
محكوما عليه بالإعدام

***(جمال الطرودي/تونس)


 

Reactions

تعليقات