القائمة الرئيسية

الصفحات

مذاق الموت إزداد مرارة - دنيا علي الحسني


مذاق الموت إزداد مرارة
_________________

مقالة / دنيا علي الحسني - العراق

كأنما قضية الموت أصبحت هي المهيمنة على عقولنا وعواطفنا، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي و في كل يوم هنالك وجبة موت نطالع أسمائها، نذكر الكبار بدنوا الأجل ونستحث الفئات العمرية الشابة على تسجيل مرثياتهم للكبار الذين رحلوا وإنطفأت قناديلهم كالآباء والأمهات فلماذا نأخذ علما بجزء من أي وجبة موت أو بمعظمها، لو أن متابعتنا لوقائع الحياة ظلت دون الفيس بوك ، وأكتفى الواحد منا في موضعه بما يسمع ثم إن الإنسان أينما أوصلته الدروب في الحياة يكون قد فارق أناسا أحياء بسبب التباعد المكاني فضلاً عن مشاغل الحياة ، لكن الفيس بوك في حال الموت يدعوك فجأة إلى التفاعل مع نبأ موت عزيز، إنقطعت أسباب التواصل معه وعند ذلك توفر لك وسيلة التواصل حضوراً في مجلس عزاء إفتراضي ، وأن تسجل ما تريد من كلمات المواساة والتودد والحنو والاستذكار وربما يدعوك إلى الاستزادة بالمزيد من عبارات التعازي والدعاء.! بخلاف ذلك ربما يشعر البعض أن وقائع الموت في زمن الفيس بوك غير، إلا أن هذا الشعور خاطيء ، فحجم الموت لا يتغير والذي تغير بالحقيقة من خلال وسيلة الإتصال الإجتماعي الفورية ، هو قطر الدائرة التي ترى فيها أنباء من تعرفهم ومن لا تعرفهم ، حيث أصبحت هذه الدائرة ذات سعة كونية شاملة متخطية لأطول المسافات وأوسع الأخبار عن الأحداث والوقائع !.
و بخلاف ذلك فقد تغير مذاق الموت في هذه المرحلة فأصبح موتاً ذا أبعاد أخرى على مستوى الحياة حيث كان الناس يلوذون إلى الصمت في حضرة الموت ، واليوم بسبب المحن التي وقعت في العديد من المجتمعات والبلدان العربية ، إزداد مذاق الموت مرارة ولم يعد موت أشخاص يكتفى القول في حضرته "إنا لله و إنا إليه راجعون " فقد نشر إحساساً بالموت التاريخي بل بذبول وموت المجتمع وفقدان الراحة في الحياة، ناهيك عن الشعور بالسعادة وإذا أستمر الأمر هكذا فنحن أمام خيارين إما أن نصبح متبلدي المشاعر لا يهزنا شيء وأجساداً خاوية بلا قلوب أو يظل الحزن يخيم على حياتنا للأبد و يجب أن نعلم حجم الضرر الذي نسببه في نشر الأخبار السيئة لنا وللعالم ، فالمصائب والأمراض والحوادث والحرائق مستمرة في الحياة وتعاطفنا مع الآخرين يجعلنا عرضة لجذب نفس الأحداث لحياتنا ويجب على الجهات المسؤولة أن تصدر قانون يجرم نشر صور الموتى والأحداث والمصابين في شبكة التواصل الاجتماعي كما إن حقيقة الإحساس باليأس وفشل التطور في البنى السياسية والثقافية والاجتماعية في بلداننا قد تفشى قبل سنوات من ظهور وسائل التواصل الاجتماعي او ربما حينما ذكر تعبير "الزمن الجميل " وكأن الدنيا العربية بدل أن تتقدم سجلت إنتكاسات تاريخية جعلت الناس تتأسى على أيام الخمسينيات مثلاً : كان فيها السينما والمسرح والموسيقى وجودة التعليم والمنتوج الثقافي ونظافة الشوارع وكياسة العلاقات الإجتماعية معنى ذلك أن السلطات التي تحكم باتت تضرب اليوم كل التمنيات الإجتماعية في مقتل وتفاقم حال التشتت النفسي وأصبح الطريق إلى الإبتذال والزلفى ثم إلى الفساد مفتوحاً وهذا الذي جعل لوجبات الموت اليومية التي يعرضها الفيس بوك وقعاً يعادل الموت التاريخي !.


 

Reactions

تعليقات