القائمة الرئيسية

الصفحات


يا..
في الرّبيع تشدّين إليك الأنظار و النّفوس و قد يرتحل إليك كلّ الّذين اشتاقوا لرؤياك في حلاك الرّبيعيّة و ما تضعينه من زينة يصعب على غيرك وضعها..و قد يتمنّى آخرون بعض الوقت بجوارك لينعمو بروائحك الزّكية الّتي احتار في صنعها كلّ من اهتمّ بها..تتسلّقين الأفق رويدا رويدا فتزدان أطرافك ويشتدّ عودك حتّى إذا ما استقام و طال صرت وجهة للعشّاق و ملجأ لمن أصابه تعب و أرق..فكلاهما يرجوان القرب منك. يهرع إليك القاصي و الدّاني و لا يصبر على الابتعاد عنك كلّ من ذاق حلاوة قربك. هكذا أنت و ستظلّين. تصدّين الأذى عن كلّ الّذين يلوذون بك، وتقدّمين الضّيافة بالقليل و بالكثير لمن جاب حذوك. جبلت على العطاء والكرم من دون ان تأخذي مقابلا و لا مقايضة. فصنعت منك مثلا ولقّنت درسا لمن بخل وهو الّذي أخذ و حاز ثمّ ملأ الحقائب و رحل ولم يكلّف نفسه حتّى أن يلقي تحيّة. سرّك دفين وقد يصعب على من تصلّبت أوتاره أن يعزف ولو بعض المقامات ممّا تكرّمت به. رسالتك قرأها الكبير و الصّغير و كل جنس ذكرا كان أو أنثى لكنّها أدرجت في طيّ التّجاهل و التّناسي حتّى لا تطالبيهم بالرّد و لو بعد حين. أخذنا منك الكثير سرّا وعلنا طوعا و كرها و تسامحت ثمّ لازلت على عهدك ولم تحيدي عن رسالتك بل طويت صفحة أذيّتنا لك وأعطيتنا على بياض كلّ الّذي طلبنا. ننساك و نتخلّى عنك عندما تتعرّين و تهزلين و تمرضين فيهجرك كلّ الّذين آويت و حميت و يتناسونك و ما يبذلون ولو جهد لإسعافك، و ما إن تتعافين و يحين وقت عطائك نعود إليك كأنّ شيئا لم يكن فتستعدّين من جديد كالأمّ الحنون لكلّ عطاء و كلّ كرم و لا تلومين و لا تحاسبين بل تسعدين بما فعلت و تسعدين كلّ من طلب. تستعيدين عافيتك اثناء الرّبيع فتأهل كلّ الطّرق المؤديّة إليك و تغمر محيطك العربات من شتّى الأنواع و الألوان لينعم النّاس من عطاياك و لا تكتفون و لا يقف نهمهم إلاّ عندما يرون أنّهم استنزفوا كل ما لديك و رغم ذلك لا تتألّمين ولا تصدّينهم..ايّتها الكريمة ربيعك ليس فصل الرّبيع بل هو على مدار السّنة والسّنين وعطاؤك ليس له حدّ موصوف فهو كلّ الصّفات و كلّ الأشكال و كلّ الألوان. قد تتساءلين حول نفسك هل أنا فعلا استحقّ كلّ هذا الوصف؟ وهل فعلا أختزل كل هذه الخصال؟ هل كلّ الذين دنوا منّي يرونني هكذا؟ وهل هذا الوصف هو عزاء ؟ أم اعتراف؟ أم ذرّ للرّماد حتّى يكبر في عيني كلّ من وصفني بهذا أو حتّى بأقلّ منه؟ كلّ تساؤلاتك في محلّها. فما يمكن أن نراه من تصرّفات قد لا يوحي بأيّ اعتراف. و كلّ ما نسمعه في الدّاخل و الخارج قد لا يوحي إلاّ بعدم الاكتراث، لكن حليبك الذي يسري في دماءنا و يغذّي عروقنا لازال يشدّنا إليك و يبعث فينا نداء خفيّا تارة و صريحا تارة أخرى لنعود إليك ونلازمك و نعترف و لو ببعض جميلك..جميلك يحيي فينا حبّنا للحياة و كي نحيى لا بدّ أن تحيي إذ لا غنى لنا عنك و هل يمكن أن نكون دون ان تكوني؟ قد نتوه أو ننسى وقد نكون أخطأنا أو اجبرنا على الخطأ ولكنّك منقوشة في دواخلنا و منحوتة في ألواننا..في ألسنتنا..في شراييننا. .ما إن نزيغ عن خطّك تخزنا بصماتك فينا ويلسعنا حليبك الّذي في دماءنا فنعود إلى نقطة البدء لنكون إليك و معك و سرّ بسمة ثغرك..
رشدي الخميري/ جندوبة / تونس

 

Reactions

تعليقات